“معي أنت جميل، ضدي أنت عميل”، هي ليست مجرد كلمات، بل صرخة تعكس ازدواجية البشر وحقيقة مشاعرهم المتقلبة، تحاكي وجوهًا شتى لهذا العالم، عالم يمكن فيه أن يتحول صديق الأمس إلى خائن في نظر البعض إذا ما لم يطابق مصالحهم أو تماشى مع أجنداتهم. مثل هذه المفارقات كانت دائمًا جزءًا من التاريخ الإنساني، ولكن عندما ترتبط هذه العبارة بفنانٍ عالمي كـ “الشاب خالد”، فإن القصة تأخذ بعدًا آخر، مليئًا بالإثارة والتشويق، كأننا نقف على أعتاب صراع درامي بين الحق والباطل، بين الفن الأصيل والمصالح الخفية.
الفن كمعركة صامتة:
على مر العصور، كان الفن ساحة لمعركة صامتة، حيث يكون الصوت هو السلاح والموقف هو الراية. استدعاء الذاكرة إلى فترات حروب وصراعات دامية يجعلنا ندرك كم كان للفن دوره الحاسم في تصويب بوصلات الشعوب. في خضم الحرب الأمريكية الفيتنامية، لم يكن “بوب ديلان” مجرد مغنٍ، بل كان صوتًا للسلام في زمن عمَّ فيه الجنون. “لا للحرب، نعم للسلم” قالها بكل شجاعة، كأنه يواجه أعتى جيوش العالم بفكرة، بقوة الإيمان بأن كل حرب هي جريمة في حق الإنسانية جمعاء. وكما يقول الفيلسوف اليوناني أفلاطون: “حينما تسكت المدافع، تتحدث الفنون”.
اليوم، يتكرر التاريخ بأشكال أكثر تعقيدًا، وأكثر خفاءً. الحرب لم تعد في ساحات القتال فحسب، بل باتت في عقول الناس وقلوبهم، في المؤامرات السياسية والألاعيب الخبيثة التي تُشن في الظلام. المغني الجزائري العالمي “الشاب خالد” يجد نفسه في قلب هذه المعركة الجديدة. خالد، الذي أضفى للعالم نكهة مختلفة من فن الراي، لم يكن مجرد فنان، بل كان رسولًا للفن الذي يجمع بين الشرق والغرب، بين التقاليد الجزائرية العريقة ونغمات الحداثة الأوروبية.
الشاب خالد بين قارتين: جذور عميقة وأجنحة حرة
“الشاب خالد” أو “خالد حاج إبراهيم”، هو رجل يحمل بين ضلوعه قلب فنان يغني للحرية والسلام، ولم يتوقف عند حدود بلده الجزائر بل حلّق بفنه عاليًا في سماء العالمية. الجزائر كانت بدايته، لكنه اختار أن تكون فرنسا محطة انطلاقه إلى العالم، ليجعل من صوته جسرًا بين الحضارتين. وكما قال الروائي الفرنسي فيكتور هوغو: “الفن هو شكل من أشكال الحب، والحب ليس له وطن.”
إلا أن القدر كان يخبئ لخالد مفاجآت أكبر بكثير مما تصور. خلال زياراته المتكررة للمغرب، اكتشف هذا البلد الذي يعشقه الفنانون ويعانق فيه الإبداع ثقافات مختلفة، بلد يجمع بين حضارة راسخة في أعماق التاريخ وروح متجددة تطمح نحو المستقبل. وجد خالد في المغرب ليس فقط وطنًا ثانيًا له، بل وجد فيه الحب، وتجسد ذلك في قراره المصيري بالزواج من امرأة مغربية. لم يكن هذا القرار مجرد زواج عادي، بل كان رمزًا لجسر آخر يبنيه خالد، هذه المرة بين الشعبين المغربي والجزائري، جسرًا من الحب والتسامح.
الزواج كجبهة جديدة:
ولكن كما هو الحال في كل قصة مشوقة، لم يكن الأمر بهذه السهولة. في اللحظة التي اعتقد فيها خالد أنه وجد السكينة، جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن. بدلاً من الترحيب بهذا الحب، شنّ جنرالات الجزائر حربًا نفسية عليه، رأوا في زواجه من مغربية “انتكاسة” لهم. لكن، وكما يقول الفيلسوف الألماني يوهان غوته: “العقول الصغيرة تناقش الأشخاص، أما العقول العظيمة فتناقش الأفكار”.
الجنرالات الجزائريون، الذين لا يعرفون سوى لغة القوة والتسلط، لم يستطيعوا استيعاب فكرة أن خالد ليس لهم، بل للعالم. اتهموه بالخيانة والعمالة، وكأن زواجه بات جريمة تستحق العقاب. تلك العقلية البائدة، التي لا ترى في الحب سوى تهديد، تذكّرنا بأفكار المستبدين الذين لطالما حاولوا إسكات كل صوت مختلف. وكما قال نيلسون مانديلا: “الحرية لا يمكن أن تعطى على طبق من ذهب، بل تنتزع من أيدي الطغاة.”
المغرب، وطن السلم والمحبة:
لكن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد. خالد، الذي وجد في المغرب حضنًا دافئًا، لم يكن يومًا خائنًا لبلده الجزائر، بل كان فنانًا يسعى للسلام بين الشعوب. المغرب، هذا البلد الذي فتح أبوابه لخالد، ليس كما يحاول الجنرالات تصويره، بل هو واحة للسلام، مكان يجد فيه كل من يسعى للحرية والفن موطنًا آمنًا. كما قال الكاتب الأمريكي مارك توين: “الوطن هو المكان الذي تحس فيه بالراحة، لا حيث ولدت”.
المغرب، الذي كان عبر تاريخه ملتقىً للحضارات والثقافات، لم يكن يومًا سوى جسر يجمع بين الشعوب. وكل من دخل هذا البلد آمنًا، وجد فيه السلم والمحبة. خالد، الذي أضحى جزءًا من هذا النسيج المتعدد الثقافات، لم يفعل شيئًا سوى اتباع قلبه، ولكن هذا كان كافيًا لإشعال نيران الغضب في نفوس الحاقدين.
نهاية القصة، أم بداية جديدة؟
قد يحاول الجنرالات الجزائريون اليوم إغلاق الأبواب في وجه خالد، وقطع جسور التواصل بينه وبين وطنه الأم، لكن كما يقول الأديب الإسباني ميغيل دي ثيربانتس: “لا أحد يستطيع أن يغلق نافذة الروح، فالحرية أقوى من أي قيد.” خالد سيبقى رمزًا للفن، وسيبقى صوته يعبر الحدود مهما حاولوا إسكاتَه. وكما تُشرق الشمس كل صباح رغم الغيوم، سيبقى الحب ينتصر على الكراهية، وسيبقى الفن يوحد القلوب.
إن هذه القصة، مثلها مثل كل القصص العظيمة، لا تُكتب نهايتها إلا بعد أن ينتصر الحق. خالد، الذي أثبت أن الفن قادر على تجاوز الحواجز الجغرافية والسياسية، سيظل رمزًا لكل من يناضل من أجل السلام والحب في عالم يمتلئ بالصراعات. وكما قال الكاتب العالمي أنطون تشيخوف: “الجمال سينقذ العالم”، وخالد هو جزء من هذا الجمال الذي سينتصر، عاجلًا أو آجلًا.
بقلم الكاتب: معروف مطرب