جاءت كلمة فخامة الرئيس في قمة البريكس معبرة عما يجول في أذهان وقلوب الأحرار في العالم بأسره؛ حيث أكدت العبارات في سياقها العميق على دلالات تحمل رسائل ومعان سامية، وأخرى تشير إلى ضرورة التنبه لخطورة ما يخالف ماهية السلم والأمن والسلام التي فطرت عليها البشرية لتحدث الإعمار المنشود وتعيش تحت ظل سماء صافية لا يشوبها غبار ودخان الحروب التي تعصف بالشعوب وحضارتها ولا تورث إلا البغضاء والكراهية المستدامة بين الدول.
واستهلال الرئيس بإيمان مصر الراسخ بأهمية تعزيز النظام الدولي، يؤكد على الهدف السامي الذي يتمثل في استطاعة ومقدرة هذا النظام على فرض حالة السلم والسلام والأمان والاستقرار في شتى أنحاء العالم؛ حيث يعمل على إضفاء جودة الحياة من خلال تحقيق العدل والمساواة بين بني البشر، ونبذ كل صور العنصرية والعنف وما قد يؤدي إلى الفرقة، أو النزاع، أو الصراع، أو الصدام، أو الاقتتال؛ لتسود حالة من الطمأنينة التي تخلق مُناخًا داعمًا للإعمار، ومن ثم تنمو المحبة والتواصل والتعاون والتبادل في المنافع بصورها المختلفة، والاتحاد ضد كافة التحديات التي تلقى بظلالها على كوكبنا في قطبيه وكافة اتجاهاته.
وعن حالة العجز المشهودة للنظام الدولي حيال تعامله بإنصاف مع الصراعات حول العالم؛ إنما يشير سيادته إلى الدول والمجتمعات التي تساند يد البطش وتغض الطرف عن صور الممارسات غير الشرعية خاصة تجاه الشعوب المستضعفة التي لا تملك من أمرها شيء، كما أن في ذلك إشارة واضحة للعقلاء من كل ربوع العالم الإنصات لصوت الحق والعدل ومن ثم العمل بقوة من أجل وقف عمليات العنف والدمار التي تودي بأرواح المدنيين دون وجه حقٍ.
وجاء التأكيد على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤلياته، في توفير التمويل الميسر لتحقيق التنمية المستدامة في الدول النامية، وهذا يعني أن النظام الدولي يتوجب عليه أن يتسابق تجاه تحقيق مقومات الرفاهية وتلبية المتطلبات الآنية والمستقبلية ومواجهة ما ينغص على الإنسان صفوه ويقل من راحته، بل ويهدد وجوده على الأرض؛ فلابد من السعي الحثيث من قبل هذا النظام تجاه تحقيق النهضة والبناء والإعمار في الأرض من أجل حماية وبناء ورفاهية الإنسان بشكل مطلق؛ حيث لا تحيز لأقاليم أو مناطق أو دول بعينها؛ فقد صار العالم قرية واحدة.
وذكر فخامة الرئيس أهمية تكثيف التعاون لمواجهة التحديات الدولية المشتركة، وهذا من خلال العمل المستمر نحو توسيع عضوية تجمع البريكس بما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بالدول النامية على وجه الخصوص، والثمرة المرجوة من ذلك تكمن في إعادة بناء ثقة الإنسان في النظام الدولي؛ لنضمن جميعًا دون استثناء أو تمييز ديمومة التعايش السلمي؛ فالحياة لا قيمة لها ولا معنى لها بعيدًا عن مناخ آمن ومستقر يخلو من الصراعات والظلم والقهر والتعدي والبطش بدون وجه حق.
والإشارة إلى مقدرة دول مجموعة البريكس من أجل تدشين مشروعات اقتصادية واستثمارية وتنموية مشتركة في العديد من المجالات، إنما يؤكد على الدول النامية أراضيها مليئة بالخيرات من موارد طبيعية، وتمتلك الموارد البشرية التي تساهم في تحقيق النهضة وما تتضمنه من تطوير وحداثة في مجالاتها التنموية المختلفة.
وعطفًا على ما سبق أكد فخامة الرئيس على أن التنمية الحقيقية المتمخضة عن تجمع بريكس ليست اجتماعات يطلق من خلالها شعارات ووعود خالية من جوهر التطبيق على أرض الواقع؛ فهناك العديد من الشراكات لمشروعات قومية بين الدول الأعضاء، كما أن التمويل أضحى ميسرًا في ظل بنك التنمية الجديد الذي يتغلب على صعوبات توفير التمويل اللازم لدعم تنفيذ المشروعات التنموية بالدول النامية.
وختم الرئيس كلمته بتأكيده على التزام مصر، بمبادئ ومحاور عمل تجمع البريكس، وحرصها على تعزيز التعاون بين دوله يشير إلى الفلسفة الصحيحة التي تقوم عليها كافة العلاقات الدولية؛ حيث التبادل والشراكة التي تحقق النهضة والاستدامة التنموية، بما يسهم بالضرورة في حل المشكلات والنزاعات على المستوى الدولي، ويؤكد على مسلمة التعايش السلمي، و وتنتهج مصر العظمي هذا الأمر؛ حيث تتخذ من النزاهة والشفافية والعدالة الأسلوب الأمثل في التعامل مع جميع الأطراف.
إن كلمة فخامة الرئيس الجامعة المانعة في مفرداتها ودلالاتها تجعل الجميع يعيد ويمعن النظر في مراحل بناء الإنسان الذي سيتحمل مهمة إعمار الأرض عبر منظومة عالمية عادلة تجمع ولا تفرق، تحمي ولا تضير، ترعى ولا تتجاهل، تعمر ولا تخرب، تحدث تكافل ولا تهدر قيمة الإنسان وكرامته، تغيث ولا تستهين، تحاسب ولا تفرط، تقوم ولا تكسر.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر