ترك المهاجرون أجمل لوحة في الوجود المرئي ، وإن توارت عن الأنظار في مطويات الزمن المتتالي، فإن استملاحها لا يزال رغيباً، واستشرافها سيبقى مديداً، فعادلهم الأنصار في عبق الجمال المتوهج، وإن فاقوهم في ترك لوحتين ناصعتين للأخوين الأوس والخزرج.. وكان للنبي فرادة الجمع بين اللوحتين، مهاجري المولد، وأنصاري التودد…
أما أولئك الأنصار فهم النموذج غير المسبوق ولا الملحوق، في غرس بذور الإيثار في البدايات، وحصد أطيب الثمرات في النهايات…
تبحث عن رجل اسمه عمرو بن الجموح رضي الله عنه، فتجده آخر الأنصار إسلاماً، غير أنه من أسرع الصحابة إقداماً وإقبالاً.. يسبق الجموع يوم أحد ورجله عرجاء، فيُناجي الشهادة موطئاً بعرجته في الجنة، فما طابت له نفس إلا وهو في أول الشهداء آنذاك…. ليُدفن مع صاحبه عبدالله بن عمرو بن حرام في قبر واحد…
أبوطلحة الأنصاري رضي الله عنه، كان إسلامه المهر الوحيد المشروط للزواج من أم سليم، والذي قال عنه رسول الله لصوته في الجيش خير من ألف رجل، فلما بلغ من الكبر عتياً، وحاول بنوه تثبيطه عن الجهاد لكبر سنه، ذكرهم بقوله تعالى [ انفروا خفافاً وثقالاً ] ..
ما أجمل نهايات جموع الأنصار أوسهم وخزرجهم، حازوا المناقب، ونالوا الشمائل، ولم يكترثوا بما آثروه من مال وضياع وزروع وقناطير مقنطرة من الذهب والفضة..
والله وتالله لم يماثل الأنصار عقلاً في الإيثار، تركوا الدنيا، من أجل الآخرة، رغبة ولو في سوط واحد في الجنة، فحسبهم بالفردوس الأعلى من الجنة…
سعد بن معاذ الأوسي رضي الله عنه اهتز لموته عرش الرحمن…
معاذ بن جبل الخزرجي رضي الله عنه أعلم الأمة بالحلال والحرام..
زيد بن ثابت الأوسي رضي الله عنه أعلم الأمة بالفرائض..
حسان بن ثابت رضي الله عنه شاعر الرسول الأول…
أبي بن كعب رضي الله عنه الخزرجي أقرأ الأمة لكتاب الله…
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله…
عاصم بن ثابت رضي الله عنه شهيد حمته ذكور النحل بعد أن أخذ على الله عهداً أن لا يمسه مشركاً …
البراء بن مالك رضي الله عنه لو أقسم على الله لأبره…
البراء بن معرور الخزرجي رضي الله عنه أوصى بثلث ماله للنبي..
زيد بن أرقم الخزرجي رضي الله عنه أيده القرآن في فضح المنافقين …
أبوالدرداء الخزرجي رضي الله عنه حكيم الأمة…
خبيب بن عدي الأوسي رضي الله عنه بليع الأرض…
وكل قتلة اليهود الذين هجوا رسول الله وتشببوا بنسائه، كانوا أنصاراً… محمد بن مسلمة الأوسي، يقتل كعب بن الأشرف اليهودي… وعبدالله بن عتيك الخزرجي يقتل سلام بن أبي الحقيق اليهودي، وسالم بن عمير الأوسي يقتل أبا عفك اليهودي..
ونزل في أكثر الأنصار قول الحق جل وعلا يوم أحد لما فر المسلمون [ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ]
فكان جل الأنصار هم الذين ثبتوا، وقاتلوا عن رسول الله، حتى استشهد منهم نيفٌ وستون رجلاً…
رضي الله عن هؤلاء وأولئك الذين تبوءوا الدار والإيمان، الذين آثروا على أنفسهم كل متاع الدنيا رغبة في الآخرة،،
من يعدل الأنصار في الإيثار أو حتى يتسفح جبلهم في الفداء والإيثار؟ كلا ليس للأنصار مماثلة في التاريخ سابقه وحاضره ومستقبله…