تعد المؤسسة التربوية مسئولة عن تنمية الوعي الصحيح لدى منتسبيها بالتعاون مع العديد من المؤسسات الأخرى والتي منها الأسرة وسائر المؤسسات المجتمعية التي تولي رعاية مخصوصة للإنسان وتقدم له العديد من الخدمات التي تفي باحتياجاته ومتطلباته، وهذا يؤكد على أن الدور المؤسسي للتربية لا يقف عند حد نقل الخبرات وما تتضمنه من معارف؛ لكن دورها الرئيس في تشكيل وعي سليم يتمثل في تعزيز لدلالات النسق القيمي وممارسات يتقبلها المجتمع تتوافق مع ما يؤمن به من مبادئ وقيم وخلق حميد.
والتربية الاقتصادية تكتسب عبر ممارسات وأنشطة تقدم من خلالها المؤسسة التعليمية مهام يؤدي المتعلم بهدف تكوين ماهية الاقتصاد وما يتضمنه من مفاهيم وقيم اقتصادية يتبناها ويؤمن بها ويعمل في إطارها من خلال ممارساته وعاداته اليومية سواءً داخل المؤسسة أو خارجها، ومن ثم يستشعر مسئولياته ويصبح منتجًا ومستهلكًا رشيدًا لا يتقبل ويرفض فكرة الهدر والتبذير ولا يدعم فلسفة الإسراف، ويستوعب أن التنمية المستدامة تقوم على فلسفة الترشيد والوعي بالاستهلاك المستدام.
وجدير بالذكر أن التربية الاقتصادية تتضمن في سياقها ماهية الوعي الاستهلاكي المستدام الذي يمكن الفرد من أن يدرك ويعي مسئولياته الاقتصادية والبيئية، ويتفهم فلسفة استدامة الموارد وأهداف التنمية المستدامة ومتطلبات وآليات تحقيق التنمية الشاملة، وفي هذا الخضم تعمل الدولة على تعزيز التربية الاقتصادية والاستهلاك المستدام من خلال مجموعة من السياسات والمبادرات التي تهدف إلى تحسين الوعي العام وتعزيز الممارسات المستدامة.
كما أن توجه الدولة في الآونة الأخيرة بات واضحًا حيال تطوير العملية التعليمية وما تشمله من مناهج دراسية تتضمن في طياتها التربية الاقتصادية ومفاهيم الاستهلاك المستدام من خلال إدراجها في أنشطة تعليمية مقصودة يؤديها المتعلم ويستخلص منها الخبرات المستهدفة، كما أن الدولة تواصل جهودها من خلال تقديم مؤسساتها المزيد من البرامج التدريبية وورش العمل التي تهدف إلى تنمية المهارات الاقتصادية لدى الأفراد.
وتتبنى الدولة العديد من الممارسات والسياسات التي تهدف إلى تقليل الأثر البيئي للاستهلاك المفرط وغير المسؤول سواءً تمثل ذلك في حملات توعية ومبادرات ومشاريع مجتمعية مشتركة تهدف إلى تنمية الوعي بالاستهلاك المستدام والتشجيع على الاستخدام الأمثل للموارد المتجددة، والحد من النفايات والعمل بفلسفة ثقافة إعادة التدوير، وهذا يسهم في تعزيز ماهية الوعي الاستهلاكي ويساعد في تشكيل وعي الأجيال الجديدة حول هذا النمط من الاستهلاك والإدارة الاقتصادية.
ونود الإشارة إلى أن الاستهلاك المستدام يعمل على تعزيز استخدام الموارد والمنتجات والخدمات بطريقة تقلل من الأثر البيئي بشكل يحافظ على توازن النظام البيئي ويضمن استمرارية الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال الحالية والمستقبلية ويساعد في تلبية احتياجاتهم، احتياجاتهم، وفي ضوء ذلك يسهم الاستهلاك المستدام في تعضيد الإنتاج المستمر.
ولا يتوقف الأمر عند حدود الانتاجية؛ لكن هناك مزيا أخرى تتمخض عن هذا النمط الاستهلاكي الفريد؛ حيث يعمل على ترشيد استخدام كافة الموارد الطبيعية ويحد من استخدام كافة المواد الضارة بالبيئة والتي تؤثر على التغير المناخي، وهذا بالطبع يعمل على تقليل النفايات والانبعاثات الضارة؛ فالتربية الاقتصادية والاستهلاك المستدام يمثلان جوانب أساسية في بناء مجتمعات مستدامة وواعية بأهمية الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتمكين الأفراد من فهم القضايا الاقتصادية والمالية واتخاذ القرارات المالية الصائبة وإدارة أمورهم المالية بكفاءة، وتشجيع وتحفيز القدرات وروح الابتكار ريادة الأعمال لدي الأفراد.
ورغم مزايا الوعي بالاستهلاك المستدام؛ إلا أن هناك العديد من المجتمعات التي تتجاهل هذا النمط المهم من الوعي ولا تعبأ ثقافتها بتنميته، ومن ثم تعاني ظروفًا اقتصادية يصعب من خلالها أن تفي باحتياجات الأفراد، وهذا بالطبع يؤدي لممارسات غير سوية وغير مسؤولة تؤثر سلبًا على مقومات البيئة وتعمل على هدر مواردها من خلال مفاهيم مغلوطة تقوم على الإسراف في الاستخدام وضعف المقدرة على زيادة الإنتاج والتنمية وصعوبة التعايش مع سياسة الاقتصاد على المستويين القريب وبعيد المدى.
وهنا تتنامى الصراعات بين المجتمعات التي تفتقر لحالات الوعي بالاستهلاك المستدام، وتنشب النزاعات حول الموارد الطبيعية وتخلق حالة الفوضى التي تقوم على استخدام القوة في اقتناص تلك الموارد، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل تتجاهل هذه المجتمعات كافة المسارات والمجالات التنموية التي تستهدف بناء إنسان يمتلك الوعي والمقدرة على العطاء والبناء وتسير في طريق اللاعودة والمليء بالأحقاد وضروب الحروب سواءً تعلقت بأسباب عقدية، أو اجتماعية، أو سياسية، أو اقتصادية.
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر