في بداية حياتى الصحفية سألني أحد الزملاء الأعزاء أصحاب القدرات الصحفية الفائقة وهو يعمل في صحيفة يومية أخرى: لماذا فضلت العمل في “الجمهورية” عن باقي الصحف وكان بإمكانك أن تقتحم أسوار صحيفة أخرى تحقق لك طموحات أكبر؟
دون تردد قلت له : طموحاتى تتحقق في صحيفة تتبنى مشكلات الناس وهمومهم، ويقبل عليها كل فئات المجتمع، ويجدون فيها السند والظهر في صراعاتهم اليومية مع الأجهزة والمصالح الحكومية.. وهذه المواصفات لم أجدها الا في “الجمهورية”.. هى صحيفة الشعب الأولى بدون منازع، حيث تنحاز طوال تاريخها لمصالحهم، وتدافع عن حقوقهم، وتتبنى مشكلاتهم اليومية.. وصحيفة الوطن التى تقاتل طوال الوقت من أجل تنمية المشاعر الوطنية في نفوس كل قرائها.
هذه ليست كلمات إطراء من أحد أبناء الجمهورية الذين تربوا فى دهاليزها ومارسوا العمل فى عدد من أقسامها وسافروا معظم محافظات مصر لرصد مشكلات الناس ونقلها بأمانة وموضوعية لكل أصحاب القرار من أجل العمل الفورى على حلها.. والحمد والشكر لله معظم ما نشرناه فى الجمهورية عن مشكلات الناس كان يجد قبولا من معظم المسئولين ولذلك كانت الجماهير تطاردنا فى كل مكان ومن خلال كل أدوات والتواصل لنشر مشكلاتها طمعا فى حلول سريعة وواقعية لها.. وما زلت أتلقى كل يوم شكاوى ومشكلات لمواطنين من مختلف محافظات مصر وأحيل أصحابها على زملائى المسئولين عن النشر الآن فى الجمهورية.
على مدى ٤٥ عاما من العمل داخل “الجمهورية” لم تهدر امامى قيمة وطنية ولم يفلت من العاملين فيها وأصحاب القرار المهنى والسياسي فيها عيار الوطنية الصحيحة.. حتى في ظل ما حدث فى يناير واندفاع بعض شبابها وحماسهم لشعارات خادعة روجتها جماعات ضالة كان لشيوخ المهنة في “الجمهورية” كلمتهم وظل ميزان العقل والمهنية والوطنية مسيطرا ورفضوا تورط الصحيفة في مستتقع الإساءة الى مؤسسات الدولة الوطنية وخاصة المؤسسة العسكرية والمؤسسة الشرطية ومؤسسة العدالة ومؤسسة الأزهر.
في “الجمهورية” وعلى يد شيوخ المهنة بها ترسخت في نفوسنا قيم النزاهة والأمانة والموضوعية واحترام القلم وما يفرضه علينا من شعور بالمسئولية.. ولذلك حظينا بثقة كل من نتعامل معه من مسئولين وقراء وزملاء مهنة ولم يدنس سمعتنا سلوك فردى شاذ من هناك أو هناك وكنا دائما نفتخر بأننا أبناء الجمهورية صحفيين مهنيين أهم اسلحتنا الأمانة والنزاهة والعمل لصالح الشعب .. والوطن.
فى “الجمهورية” تعلمنا قيمة الكلمة الصادقة وأهمية أن يكون الصحفى موضوعيا ونزيها وبعيدا عن الشبهات لا يجامل من أجل مصلحة شخصية ولا يحيد عن كلمة الحق.. لذلك فرضنا احترامنا على الجميع من مسئولين وقراء.
تعلمنا فى “الجمهورية” أن الصحافة وسيلة نهضة وتنمية وليست مجرد (مكلمة) تستهلك فيها الكلمات، وتخدر بها الشعوب، وتشوه بها الحقائق.. ولذلك شاركت من خلال هذه الصحيفة فى حملات صحفية على مسئولين كانوا فى مواقع قيادية وأجبرناهم على العودة لصوابهم وعلاج بعض ما أفسدوا.. لذلك ما زلت أؤمن بأن الصحافة لا تزال قادرة على المساهمة فى حل مشكلات المواطنين ومساعدة الأجهزة الرقابية فى الكشف عن تجاوزات بعض المسئولين على اختلاف مستوياتهم الوظيفية.. وفى ظل الضوابط المهنية الحاكمة للعمل الصحفى لن يحدث تجاوز من أى طرف.
الوعي برسالة الصحافة يفرض احترام تلك الرسالة وبناء الجسور من الثقة بين مختلف المسئولين فى المجتمع والصحافة.. فالإعلام المسئول يبني ولا يهدم ويقوم بأدوار ورسائل إيجابية تسهم في كل خطط وبرامج الإصلاح.
علي كل المسئولين في الدولة أن تتسع صدورهم لما تعبر عنه الصحافة من هموم ومشكلات للمواطنين هنا وهناك، وأن يتعاملوا مع هذه المشكلات بما تستحق من اهتمام وأن يتعاملوا مع الزملاء الصحفيين بموضوعية بدلاً من سيطرة الشكوك والأوهام عليهم وتوجس الخيفة منهم.
نذكر الجميع بأن الصحافة المصرية منذ أن تعمقت كسلطة رابعة أصبح لها دور ورسالة لا يقل عن دور السلطات: التشريعية والقضائية والتنفيذية.. وهذه الرسالة تفرض على كل الصحفيين أن يدركوا أنهم أمام مهمة وطنية ومهنية وأخلاقية كبيرة لكي تحقق الصحافة رسالتها الإصلاحية والتنويرية، وتكمل منظومة السلطات الخادمة للمجتمع، وتقوم بدور الناقل الأمين لهموم الناس ومشكلاتهم إلي من بيدهم أمر الإصلاح والتغيير.. كما تقوم بدور الناقل الأمين والموضوعي لجهود السلطات الأخري وكل مؤسسات المجتمع التي من المفترض أنها تتكامل وتتسابق لخدمة المواطن وتحقيق صالح الوطن ومواجهة كل التجاوزات التى قد تحدث هنا أو هناك.
وحتي تحقق الصحافة رسالتها في بناء جسور من الثقة بين السلطات المختلفة والشعب يجب أن تحظي الصحافة بثقة كافة المسئولين في الدولة وأن يحظي ما تعرضه من مشكلات وهموم للمواطنين باهتمام كل المسئولين علي اختلاف مواقعهم الوظيفية دون استعلاء من أحد أو التعامل مع الصحافة والصحفيين بسوء ظن ليس هناك ما يبرره.
أقر وأعترف أن بعض المسئولين في مصر يقدرون رسالة الصحافة ويتابعون ما تنشره الصحف من مشكلات ومطالب عادلة للجماهير ويحاولون تلبية ما يستطيعون منها.. لكن أيضاً يجب أن ننبه هنا إلي أن بعض المسئولين في مواقع عمل مختلفة يتعاملون مع الصحافة باستعلاء ويعتقدون ــ واهمين ــ أن الاستعلاء علي رسالة الصحافة شجاعة تضيف إلي هيبتهم وفرض نفوذهم، وهو استعلاء يواجهه الزملاء بكل شجاعة ويؤكدون كل يوم أنهم جديرون بالأمانة والمسئولية المنوطة برسالة الصحافة.
ليس شجاعة أن يتجاهل مسئول ــ أياً كان موقعه ــ ما تنشره الصحف من مشكلات وهموم للناس. بل المسئولية تفرض عليه أن يتحري مصدر المشكلة ويعالجها بالأسلوب الذي يراه محققاً للصالح العام.. فالصحافة لا تفرض رؤي معينة للتغيير والإصلاح ولا تتبني إلا ما يحقق الصالح العام، ويرفع المعاناة عن المواطنين الذين لا تتوقف شكاواهم واستغاثاتهم بالصحافة.
المجتمع المصرى فى أمس الحاجة الى جهود الصحافة ورقابتها على مصالح المواطنين.
b_halawany@hotmail.com