خففت الولايات المتحدة، الاثنين، بعض القيود المفروضة على الحكومة الانتقالية في سوريا للسماح بدخول المساعدات الإنسانية بعد أن أطاح مسلحو المعارضة بالرئيس المخلوع بشار الأسد الشهر الماضي.
وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصا عاما، يستمر ستة أشهر، يجيز بعض المعاملات مع الحكومة السورية، ومن بينها بعض مبيعات الطاقة والمعاملات العرضية. مثّل الانهيار السريع لحكم الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، لغزاً شغل الكثيرين. «صفقة الخروج الآمن» التي حصل بموجبها على اللجوء في موسكو. إن «المعطيات التي توافرت لدى موسكو حول الإعداد لهجوم واسع النطاق، دفعتها إلى التحرك العاجل قبل 48 ساعة من بدء الهجوم على أكثر من محور، وتم من خلال (قنوات مختصة) إبلاغ السلطات السورية بأنه (سيتم التقدم من قوات تابعة للفصائل المسلحة باتجاه حلب ومنها نحو مدن سورية أخرى)». لقد أبدى دونالد ترامب رفضا ناضجا لأي تدخل مباشر لقواته في أزمات والتهابات الشرق الأوسط، مفضلا استخدام حلفائه المحليين وتزويدهم بالدعم المالي والتقني وكذا بعض التسهيلات اللوجستيكية.
وهذا ما مكن القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط من الانكباب على التخطيط الاستراتيجي وتحريك حلفائها الميدانيين، بدل الانخراط في جهود عملياتية مكلفة ماديا وبشريا وسياسيا، ذلك أن سياسة تدخل الجيش النظامي الأمريكي بصورة مباشرة في الصراعات المسلحة المحلية، تضع الولايات المتحدة في مواجهة صريحة مع شعوب المنطقة.
أمام استرجاع الجيش السوري السيطرة على عدة معاقل أساسية (حمص وحماة وغيرهما من المدن الكبرى) فضلا عن استرجاع تسيير أغلب طرق المواصلات البرية والجوية، تبنى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة دورا جديدا، متسقا مع سياسة الاستنكاف عن التدخل العسكري المباشر التي اعتمدها الساسة الأمريكيون منذ وصول باراك أوباما إلى الرئاسة وحافظ عليها جو بايدن وكذلك دونالد ترامب.
ويقتضي هذا الدور الذي أنيط أساسا بالسعودية وتركيا والإمارات، فك الحصار الدبلوماسي عن بشار الأسد والسعي إلى إبعاده عن حاضنته التقليدية المتمثلة في إيران وروسيا. وبالفعل، فقد بدا بشار الأسد، خلال هذه الفترة التي طبعها الهدوء الحذر والترغيب، أقل تشددا، على مستوى الخطاب والممارسة، حيال إسرائيل.
عندما تمكن من استعادة جزء يسير من السلطة الفعلية، حاول النظام السوري ممالأة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عوض التركيز على إعادة ترميم قاعدته الشعبية. لقد ظن حاكم دمشق أن بقاء نظامه أكثر ارتباطا بمهادنة الغرب ولو تطلب ذلك تخفيف ارتباطه العضوي بموسكو وطهران.
ورغم تتابع الضربات القاصمة التي تلقتها أذرع الثورة الإيرانية في لبنان، وخاصة حزب الله، لم يصنع نظام بشار الأسد مبادرة غير مألوفة للانفتاح على قوى المعارضة، ولم يقدم عرضا جديدا في هذا الشأن، نظرا لتراجع العمليات المسلحة للمعارضة واستقباله من قبل دول ومحافل رسمية عربية كانت، حتى وقت قريب، تنعته وسائل الإعلام المقربة منها بأقذع الأوصاف وتصرح علنا بضرورة إسقاط نظامه.
لسنا بحاجة استثنائية لفهم بعض معالم السلوك السياسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ يكفي أن نستحضر مواقفه وتصريحاته إزاء الأزمات الدولية الثقيلة أو المرجعية خلال ولايته الرئاسية الأولى. لقد بادر ترامب إلى لقاء الرئيس الروسي ورئيس كوريا الشمالية، كما أنه أبدى انزعاجا مستمرا من الكلفة المالية والعسكرية والسياسية الباهظة التي استتبعتها الحروب المباشرة التي شاركت فيها بلاده، كما وجه انتقادات شديدة إلى قادة أوروبا الغربية على صعيد مسؤولية الدفاع المشترك لأن بلاده هي التي تتحمل الجزء الأكبر من ميزانية حلف الناتو من ناحية، وعلى صعيد العلاقات التجارية بين بروكسل وواشنطن التي اعتبرها مضرة بالاقتصاد الأمريكي من ناحية أخرى.
بل إن ترامب لم يتوان في اعتبار التنظيمات اليمينية، كتنظيم فكتور أوربان وتنظيم مارين لوبين، التي تؤثر في دقائق المشهد السياسي الأوروبي، فرصة ملائمة لإنشاء رؤية مشتركة حول قضايا حساسة، كمنظومة القيم والخلف الديمغرافي والهجرة والهوية وغيرها.
مع وجود رئيس أمريكي متشبث بجدوى المصلحة الوطنية ومعارض للمؤسسات فوق-الوطنية المنمطة والمتضخمة، من طينة دونالد ترامب، لن يمتنع فلاديمير بوتين عن تقديم تنازلات ذات مغزى في الشرق الأوسط؛ إذ من غير المنطقي أن تتخلى موسكو عن بشار الأسد خلال أقل من 24 ساعة وهي التي دافعت عنه، بشراسة، طيلة 11 سنة، هكذا … دون مقابل !
يكمن المقابل في أوكرانيا، فتخلي روسيا عن دعم بشار الأسد بسرعة خاطفة، وتقارب تصريحات كل من وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، ودونالد ترامب حول صعوبة وضع خطة لإنقاذ الأسد بالنسبة للأول، وضرورة عدم التدخل الأمريكي المباشر في الأحداث السورية الأخيرة بالنسبة للثاني، معطيات تدفع نحو فرضية وجود صفقة بين واشنطن وموسكو تهم تماهي أدوارهما المقبلة في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وإفريقيا والمحيط الهادئ وحالة الاكفهرار السياسي والاقتصادي التي تجتازها أوروبا الغربية الآن كثر الحديث عن «صفقة الخروج الآمن»
التي تم عقدها بين روسيا وحليفها بشار الأسد، والتي حصل بموجبها «بشار» على اللجوء السياسي «الإنساني» مع أسرته التي كانت قد سبقته إلى موسكو في بداية الأحداث.. تبين أنّ روسيا أبلغت «بشار» أنّ الأمور أصبحت خارج السيطرة وأنه ليس بمقدورها استخدام سلاح الجو الروسي كما حدث في عام 2011 لأن هناك دعما دوليا وإقليميا للفصائل التي تتقدم بنجاح من إدلب إلى حماة وحلب وحمص، وها هي على أعتاب دمشق.
أكدت روسيا لبشار الأسد أنّ روسيا لا تخون أصدقاءها وحلفاءها، وأنّها ستقف معه حتى النهاية، وعقدت معه صفقة الخروج الآمن مقابل إنهاء الصراع بطريقة تجنب انهيار الدولة السورية بشكل كامل.. تضمنت الصفقة ضمانات أمنية لـ«بشار» وكل أفراد عائلته بخروجٍ آمن، ومنحه اللجوء السياسي مقابل مغادرته وعدم المقاومة.. أمريكا باركت الصفقة التي لاقت ارتياحا أكبر من جانب إسرائيل التي وجدت فيها ضالتها للتوسع في الأراضي السورية وهو ما حدث بالفعل.. فبعد ساعات قليلة من سقوط نظام «بشار» وبينما كان الفرقاء والفصائل يحتفلون في الشوارع والميادين استغلت إسرائيل الفرصة وسارعت الآلة العسكرية الإسرائيلية بالتوغل في جنوب سوريا واستولت على قاعدة جبل الشيخ ذات الموقع الاستراتيجي المهم والتي تطلق عليها إسرائيل «عين إسرائيل»، كما احتلت نقاطا حدودية بطول 200 كيلومتر في المنطقة العازلة مع سوريا بمباركة أمريكية، ووقف نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، منتشيا، يعلن للإسرائيليين أن هذا اليوم يوم تاريخي لإسرائيل، ويؤكد لهم انهيار اتفاقية فصل القوات بين إسرائيل وسوريا الموقعة فى عام 1974 لضمان أمن سكان بلدات هضبة الجولان ومواطنى دولة إسرائيل.
روسيا استفادت من الصفقة أن حافظت على مصالحها في سوريا، حيث تمتلك قواعد عسكرية استراتيجية هي قاعدة حميميم البحرية وقاعدة طرطوس، وربما قدمت «الأسد» ونظامه قربانا لأمريكا والغرب لتحسين علاقتها معهم وضمان نفوذ مستقبلى فى حكومة سوريا الانتقالية.
لكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد بدأت بعض الأصوات من داخل سوريا وخارجها تطالب بمحاكمة «بشار» كمجرم حرب.
الآن ماذا بعد أن تهدأ الاحتفالات؟ هل تبدأ صراعات الفصائل حول تقسيم الغنائم؟ الخوف كل الخوف من تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ على أسس عرقية أو طائفية «علوية، كردية، سنية، درزية».لكننا نتمنى مصالحة وطنية، التوافق على عملية سياسية شاملة تشمل كل الفرقاء.
مصر تتابع باهتمام ما يحدث في سوريا وتقف إلى جانب الدولة والشعب السوري وتدعم سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وتدعو جميع الأطراف إلى صون مقدرات البلاد ومؤسساتها، وتغليب المصلحة العليا من خلال توحيد الأهداف وبدء عملية سياسية متكاملة تؤسس لمرحلة جديدة من التوافق والسلام الداخلى واستعادة وضع سوريا الإقليمي والدولي.