ذُكرت كثير من محاسن البكالوريا المصرية المقترح تطبيقها بعد التوصل لصيغة توافقية، وكنت من الذين استعرضوا ذلك في مقالات وتحقيقات، وهذا يأتي في ضوء طموح مأمول تجاه أن يقدم لنا هذا النظام خريج يتناغم مع سوق العمل المتغير الذي يسعى دومًا لأن يحقق الرفاهية التي ينشدها الإنسان على كوكب الأرض جراء تفكير مستدام له مخرجات حميدة في كافة المجالات الحياتية والعملية والعلمية.
وأرى كمتخصص أن النظام التعليمي المتميز في مكونه وآلياته يمكن أن يساعد في خلق بيئة تعليمية داعمة للمتعلم يؤدي من خلالها ما يوكل إليه من مهام تعليمية إجرائية بكل يسر وسهولة، وتفتح أمامه فرص ومسارات التفكير بأنماطه المختلفة وتجعله يستمتع بكل ما يقوم به من ممارسات وأداءات تعليمية من شأنها المساهمة في تنمية خبراته المعرفية والمهارية والوجدانية، وهذا ما نطمح وجوده في بيئة البكالوريا المصرية الجديدة.
واعتقد أن نظام البكالوريا المصرية تستعدي أن يكون هناك معلم مُعد إعدادا جيداً ويتحمل مسئولية تحقيق الأهداف المنشودة؛ حيث أرى أن التدريس في ظل هذا النظام يستلزم أن نتخلى عن ممارساتنا التدريسية الكلاسيكية ونتوجه نحو مسار التدريس الإبداعي الذي يستطيع المعلم فيه أن يوظف أنشطة تعليمية تتضمن في طياتها المهام التي يؤدها المتعلم تحت توجيهه وإشرافه ليكتسب من خلالها الخبرات الوظيفية المستهدفة.
ويتعالى الطموح لدينا في ضوء هذا النظام المقترح تطبيقه ليرى المجتمع المصري شبابه الواعد يمتلك القدر الكافي من الخبرة والوعي ويتمسك بنسقه القيمي ويتحلى بأخلاقه الحميدة؛ حيث يدرك ماهية الوطن وأهمية المشاركة في بنائه وضرورة الاصطفاف لاستكمال نهضته وهذا ما يحقق فلسفة بناء الإنسان الذي يحافظ على الكيان ويعلي من البنيان والعمران ويقدم مصلحة الوطن العليا عما دونها ويواكب التطور والتقدم في مجالاته المختلفة ويستنهض همته نحو صون حضارته وإضافة علامات مشرقة إليها.
وإذا ما تأملنا في المقررات الدراسية لنظام البكالوريا باعتبارها المكون الرئيس من المناهج، نجد أن هناك متطلبات يتوجب توفيرها لتتحقق غايات هذه المرحلة؛ حيث إن الأنشطة التعليمية وما يشملها من مهام وظيفية يقوم بها المتعلم تحت إشراف المعلم تتطلب المواد والأدوات اللازمة لذلك، كما أن إيمان المؤسسة التعليمية وإدارتها يستلزم أن تغير من مناشطها وأدوارها التقليدية لتتواكب مع المخرجات المستهدفة والتي نطمح أن تؤهل المتعلم لمرحل متقدمة ومنها لسوق العمل المحلي والدولي على السواء.
ويتواصل طموحنا عبر هذا النظام التعليمي الجديد لنرصد من خلاله تقويم واقعي أو ما نسميه بالأصيل؛ حيث أرى ألا يركز أو ينصب فقط على الجانب المعرفي لدى المتعلم في مستوياته المختلفة، بل ينبغي أن يقيس ما لدى المتعلم من مهارة وصدى الخبرة وتأثيرها في الوجدان، وهذا يستدعي أن نطبق أساليب وآليات جديدة في التقويم؛ فهناك العديد من أدوات التقويم التي ترصد مستويات الطالب في مجالات تعلمه المعرفية والمهارية والوجدانية بشكل دقيق ووفق معايير معلومة لدى المتخصصين.
نثق في أن الدولة عازمة بإرادة قوية في أن تصلح المنظومة التعليمية المصرية وتقتلع جذور المشكلات وبذورها في هذا الميدان المهم؛ لتحقق فلسفة بناء الإنسان بشكل صحيح، وتساعد في إيجاد أجيال تحافظ وتصون وتحمي مقدراتها، بل وترفع رايتها عالية خفاقة، وتعلي من شأنه وقدره ومقداره؛ ومن ثم يصبح الإنسان على ظهر المحروسة قادرًا على إحداث تنمية شاملة مستدامة طال انتظارها.
نتطلع عبر البكالوريا المصرية إلى إعداد خريج يمكنه تطبيق معارفه وما اكتسبه من خبرات في ميادين العمل والإنتاج وأن يختار المسار الذي يجعله رائدًا وأن يستطيع أن يتجاوز التحديات والصعوبات التي يمكن أن تواجه في حياته العملية والعلمية والمعيشية، وأن يخدم بيئته ومجتمعه ويقدم نتاجات عديدة مبتكرة في مجال تخصصه؛ فما أجمل من عطاء مستدام وانتماء وولاء لوطن يعيش في القلوب.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر