أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر
عندما تتوافر لدينا رؤية نستطيع من خلالها أن
نتبادل الخبرات، بما تتضمنه من أفكار تحمل في طياتها ملامح الابتكار؛ فإن بوابة
التواصل ينبغي الاهتمام بها، ونحرص على تأمينها؛ كي نأمن التهديدات، أو السلبيات
التي قد تتأتى منها، وهذا ما يحثنا على تبني آليات تخفف من وطأة مخاطر تطبيقات وأدوات
الذكاء الاصطناعي في بيئاتنا التعليمية.
أرى أن ما يقينا من مخاطر، وأضرار متنوعة، ناتجة عن استخدام تطبيقات وأدوات الذكاء الاصطناعي بصورة عامة، قد ينتج عنها آثار على المستوى النفسي، أو الاجتماعي،
أو الجسدي، أو العقلي، أو العقدي، أو الفكري، وهنا اعتقد أنه لا مناص عن تفعيل
منظومة القيم، في مراحل التنشئة التربوية، بما يضمن انتهاج مسار السلوك السوي،
مزامنة مع تقويم السلوك غير السوي، أو المعوج، في شتى الممارسات التي تصدر عن
الإنسان.
وتقويم السلوك عبر التعامل المباشر مع التقنية، يقوم على الشراكة والتكامل،
بين العديد من المؤسسات، وتبدأ من الأسرة التي تُعد اللبنة الرئيسة في التربية،
يتناغم ويتزامن معها في هذا الشأن المؤسسة التعليمية، يتسق مع كلاهما المؤسسات
الدعوية، والإعلامية، والاجتماعية، المعني بها إصلاح وبناء الإنسان، وفق ما نصت
عليه رسالاتها السامية؛ ومن ثم ينبغي أن نؤكد على فكرة التواصل المباشر بين كافة
المؤسسات؛ كي تتوحد الرؤى، والجهود، نحو تحقيق الغاية المنشودة.
ومعرفة الفرد
الصحيحة بمزايا وثمار توظيف واستخدام أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، يزيد من
رغبته في التعامل معها، وفق معيارية باتت معلومة، وهذا في واقع الأمر، يمكنه من أن
يفرز الغث من الثمين، ويعينه من أن يتجنب الضرر، ويسعى لحصد المنافع، وهذا في
جملته يشكل لديه وعيًا؛ يجعله يحيا حياة هادئة سوية، تحمل السكينة، والطمأنينة،
والمحبة، والتعاون.
ونثق بأن تفعيل
منظومة القيم في مناخ البيئة التعليمية، يعزز من صورة الخلق الحميد، وذلك عبر كافة
الأنشطة التعليمية، التي تُؤدي مهامها بالاستعانة بتقنية الذكاء الاصطناعي؛ فقد
بات الأمر لا يتوقف على فلسفة تعضيد الصواب، وتصويب الخطأ؛ لكن المأمول يرقى تجاه
ممارسة مهارات التفكير العليا، التي تمكن الفرد من إصدار أحكام منضبطة، بل وصنع
واتخاذ القرار السليم، الذي يجعله مسئولًا عن تصرفاته، ومواقفه.
أود الإشارة
إلى أن صياغة المزيد من الأنشطة التعليمية بصورة مقصودة، عبر تقنية الذكاء
الاصطناعي، والتي تستهدف في طياتها، تنمية الجانب الثقافي لدى الفرد، وما تتضمنه
من عادات، ومكتسبات أصيلة، للمجتمع المصري، ناهيك عن كل ما من شأنه يعزز الهوية
الوطنية؛ فإن هذا بالطبع يقلل ويحد من المخاطر، التي قد يتعرض لها المستخدم، عن
تفاعله مع الأدوات والتطبيقات الذكية.
أدرك أن فلسفة
التربية الرقمية في حد ذاتها، من الآليات الفاعلة، التي تسهم في خفض مخاطر الذكاء
الاصطناعي، بكافة تنوع أدواته وتطبيقاته المتطورة على الدوام؛ فمن المتوقع أن تقوم
معيارية بناء الإنسان على قناعته الذاتية بدوره الرائد، تجاه قضية الإعمار
والاستخلاف في الأرض؛ ومن ثم يقع على عاتقه استكمال مراحل حضارته المتجذرة
والعريقة؛ فتاريخ الأمم والشعوب إما صفحات ناصعة، تحمل في طياتها عطاءات، وإرث
عظيم، وإما تكون مليئة بالمآخذ، التي تتبرأ وتحاول أن تتنصل منها الأجيال.
ما أرقى إنسان
يحسن ويطور من أدائه، عبر توظيف الثروة التقنية، التي تستخدم بالصورة الصحيحة، وما
أجمل إنسان يصل لمرحلة الاتصاف القيمي، في سلوكه الجمعي، وما أفضل من إنسان يقوم
ذاته، وما قد يراه من مظاهر اعوجاج، ولا ييأس، أو توقف عن ذلك، دون كلل أو ملل؛
فرؤيته للخير تجعله قادرًا على هجران مواضع وبؤر الشرور، بمظاهرها المتباينة، وهذا
يؤكد أن الطبيعية الإنسانية تحمل الخير في جنباتها.
نعي أن الذكاء
الاصطناعي بأدواته وتطبيقاته، أضحى التعامل معه، في المجالات كافة فرض عين، وليس
من قبيل الرفاهية، أو الاختيار؛ لذا باتت المؤسسة التعليمية، مسئولة عن تقنين
استخدامه من خلال معيارية التوظيف؛ كي يسهم في تحقيق غاياتها طويلة، ومتوسطة،
وقصيرة المدى؛ فقد ثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أن هذه التقنية مستدامة التطور،
صارت جزء أصيل من مدخلات، وعمليات، ومخرجات العملية التعليمية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.