قصيدة “حروفي موجوعة” للأديبة الجزائرية آسيا حملاوي هي نص شعري رائع يعكس الصراع الداخلي والآلام النفسية التي تعيشها الشاعرة، تتميز القصيدة بأسلوب بلاغي رفيع يجمع بين التراكيب اللغوية الدقيقة والمفردات الرمزية التي تضفي عمقًا على المعنى.
تعد قصيدة “حروفي موجوعة” مثالًا رائعًا على كيفية استخدام الأساليب الأدبية للتعبير عن الصراع الداخلي بين الألم والتصالح مع الحياة، وتتسم البنية الشعرية في هذه القصيدة بحرية التعبير واستخدام الأسطر الطويلة والقصيرة، مما يسهم في إضافة إيقاع معين يتماشى مع طبيعة القصيدة الحزينة.
الموضوع الرئيس للقصيدة هو الحزن الناتج عن غياب الأحبة أو الحلم المفقود، والذي يتجسد في رمزية “الغياب” الذي يعذب الشاعرة ويجعلها تعيش في حالة من الانكسار الداخلي. تتحدث القصيدة عن الألم العميق والتحديات النفسية التي تواجهها الشاعرة، وتركز على الصراع بين الأمل والصبر والألم العميق الناتج عن الفقد. نلاحظ أن القصيدة تتنقل بين الألم الناتج عن الفقد، ومعركة الصبر، والبحث عن الراحة أو النور في ظلمات الحياة.
تتميز اللغة في القصيدة بأنها فنية ومفعمة بالرمزية؛ حيث تستخدم الشاعرة صورًا شعرية معبرة، مثل “خفافيش الوجع” و”كهوف قلبي”، وهي صور تخلق إحساسًا بالضياع والظلام الداخلي. كما أن العبارات مثل “مقصلة الغياب” و”نخرها الغياب” تضيف بُعدًا دراميًا وتأثيليًا على المعاناة التي تعيشها الشاعرة. من خلال هذه الأساليب البلاغية، يتم التعبير عن الحزن والغربة النفسية.
يعكس تكرار جملة “عكاز أيامي” أو لفظة “عكّاز” في بداية المقاطع الشعرية حالة الاستمرار والتعلق بشيء يرمز للضعف والاحتياج، ويسهم التكرار في تعزيز فكرة التمسك بالأمل أو بمورد ضعيف للإبقاء على الحياة وسط الألم.
وعلى الرغم من أن تكرار اللفظة قد يُعتبر بمثابة تكثيف للمعنى، لكنه في نفس الوقت قد يبدو مملًا أو يفتقر إلى التنوع الإيقاعي؛ لأن التكرار المفرط للعبارة قد يؤدي إلى شعور القارئ بأن النص يفتقر إلى التجديد أو التطور في الموضوع.
تستخدم الشاعرة الاستعارة بشكل بارع، مثل “خفافيش الوجع” و”كهوف قلبي”، حيث تمثل الخفافيش هنا الوجع والظلام النفسي الذي يحيط بها، وكأن الألم يسكن في أعماقها؛ إذ تضفي هذه الاستعارات جمالًا غامضًا وتجعّل القارئ يشعر بمعاناة الشاعرة.
وعلى الرغم من تركيز القصيدة بشكل كبير على مشاعر الحزن والانكسار والألم الناتج عن الفقد والغياب، وهو موضوع قوي وعميق، لكن هذا التركيز يمكن أن يبدو مفرطًا في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى إبراز جانب واحد فقط من التجربة الإنسانية.
هذا قد يحد من التوازن بين الأمل والألم، خاصة عندما تتكرر صور “الغياب” و”الوجع” دون تقديم أفق أوسع أو إيجابي أكثر.
يظهر التضاد في جمل مثل “شهيقها خير وزفيرها صبر”؛ حيث يدمج بين الأمل والصبر في تناغم دلالي. يعكس هذا التباين التوتر الداخلي بين الأمل واليأس، وبين الصبر والفقد.
تتسم القصيدة بتوظيف مميز للصور الجمالية التي تعمّق المعنى وتُضفي على النص بُعدًا شعريًا مميزًا، مثل استخدام بعض الصور المميزة مثل “أشباح الظلام” و”مقصلة الغياب” يعطي انطباعًا قويًا عن فقدان الضوء في الحياة. الظلام في القصيدة ليس مجرد غياب مادي، بل هو غياب عاطفي ونفسي، يعكس التشتت والانكسار الذي تعيشه الشاعرة.
تعبير “عكاز أيامي” هو استعارة تلخص اعتماد الشاعرة على شيء هش في مواجهة الحياة، وكأن حياتها كلها تقف على عكاز، تعاني من ثقل الزمن والظروف.
تعبير “حروفي موجوعة” يمثل رمزًا للمعاناة الإبداعية والنفسية التي تمر بها الشاعرة؛ حيث تمثل الحروف الكلمة والشعر نفسه الذي يعكس آلامها الداخلية، كما يحمل الإيقاع الشعري في القصيدة تناغمًا بين الألفاظ والمعاني.
تتنوع الأسطر بين الطول والقصر، مما يخلق توازنًا بين حركة النص وتجسيد الإحساس بالضياع والتوتر. تؤدي الأبيات الطويلة التي تتخللها بعض الجمل القصيرة إلى تشويش نفسي يمثل الحالة النفسية الممزقة بين الحزن والتفكير المستمر.
تتسم المفردات في القصيدة بالغنى والتنوع، مما يضفي على النص أبعادًا جمالية وغموضًا معنويًا. الكلمات مثل “الخيبات”، “الظلام”، “الأشباح”، و”الغياب” كلها مفردات تحمل دلالات قوية على العزلة والفراغ الداخلي، وفي المقابل، هناك مفردات مثل “الأمل”، “الصبر”، و”الخير”، التي تمثل عناصر النور والرجاء وسط هذا الظلام النفسي.
تحتوي القصيدة على تساؤلات تعكس الفكر الداخلي للشاعرة، مثل “من يعرف صوتي إذا خاف؟؟؟” تُظهر هذه التساؤلات الاغتراب النفسي والبحث عن إجابات داخلية لا تجد لها حلًا، وتسهم هذه التساؤلات في خلق حوار داخلي، مما يعزز عنصر الاستبطان ويجعل النص أكثر قربًا من القارئ، وتُشعره بحزن الشاعرة وتخاطب المشاعر بأدوات مؤثرة؛ فيتسلل الحزن الناتج عن الفقد والغياب إلى قلب القارئ من خلال اللغة العاطفية القوية، مما يجعل القصيدة تنطوي على تأثير عاطفي عميق يدفع القارئ للتفاعل معها على مستوى شخصي.
تعكس القصيدة في مجملها حالة من الحزن العميق التي تكتنف الشاعرة، ولكنها تُظهر أيضًا قدرة الإنسان على التكيف مع الألم عبر البحث عن الأمل أو الصبر. يعزز أسلوب الشاعرة في التلاعب بالألفاظ واستخدام الرمزية من فاعلية النص، ويوصل الرسالة بشكل مؤثر. إنها قصيدة عن الفقد، والانتظار، والصبر، والبحث المستمر عن النور في ظلمات الحياة.
ونص القصيدة التي كتبتها بعد وفاة والدتها
عكاز أيامي
حضن احلامي
بعثرني الغياب
وسكنت خفافيش الوجع
كهوف قلبي
وملأت أشباح الظلام
نور سمائى
من يعرف صوتي إذا خاف؟؟؟
في عيوني يقرأ الخيبات
يواسي ملامحي
الملقات على قارعة الحزن
يعلمني
أن أصلى
صلاة الصبر كل فجر
اتوضأ من ماء
أجمل الظن
ان ازين حظي
في كل صباح
ويهديني من لمسة يده
نفسا عميقا
أقطع به أصعب المسافات
وأختصر الحياة
واجمع نوافلها
في مقولات
تنقشها على حلقة بأذني
تجعلها بمحطات العمر
كلما لمستها
تذكرت مواعظ
باتت تصاحبني أنفاسا
زفيرها صبر
شهيقها خير
عكاز أيامي
مات الشعر
ومابقي منه
سوى اغنية حزينة
نشيد وطني
يدوى صوته كل القوافي
ويكون شعري
على شفاه البعد
وترثي الأبجديات
حروف الهجاء
وتبكي نثرياتي الفقد
وتعلن العزاء
امام باب الذكريات
عكازى انت
كيف الهروب
وانا اختبئ فيك
وكيف ترحلين
وانت تسكنين
ولهفة الشوق تقتلني
وحنين الوجد
يشنقني بمقصلة الغياب
عكازتي نخرها الغياب
وتركني هباء
مقتولة