كتب عادل ابراهيم
يعتبر المخرج المسرحي التونسي حافظ خليفة أحد اهم المخرجين المجددين في الإخراج المسرحي على مستوى العالم العربي سواء منها المسرحيات الموجهة للكهول أو للأطفال او الملاحم الكبرى التي تعتمد على الفضاءات المفتوحة والمساحات الشاسعة حيث قدم عديد الأعمال الناجحة والمميزة للأطفال والناشئة شكلا وطرحا ومضمونا من بينها “جزيرة العجائب” التي تطرق فيها إلى عالم البحار ومسرحية “أليغريا ” التي حلق بحكايتها بين الفصول والغلال والألوان ومسرحية “فيل بوك” التي ابحر في عالم الكتب في رحلة مع عرائس الطاولة وكل هذه الأعمال تحصلت على عديد الجوائز المحلية والعربية .
حكاية من التراث الشعبي الحساني
بعد تشبع المخرج بالثقافة الحسانية التي هي نتاج ترحاله الممتع في صحراء موريتانيا بلد المليون شاعر، والوقوف على تفاصيل هذا الشعب الحساني الصحراوي الطيب في اقاصي الغرب الافريقي الصحراوي، والمجهول لدى العديد من المثقفين والمسرحيين ، قدم مؤخرا عرضا مسرحية جديدا موجه للأطفال والناشئة يحمل عنوان ” تيدينيت ” وهي مغامرة مسرحية جديدة وابتكار أجد ومقترح سينوغرافي يخرج عن المألوف في تجربة مغايرة نصا وشكلا ومضمونا من خلال نص جميل للكاتب حافظ محفوظ الذي غاص في عمق الثقافة الشعبية الحسانية وقدم من خلال هذا النص حكاية لا تقتصر على التسلية او السرد ، بل جعلها مطية لتعليم القيم والعبر للأطفال وكذلك توجيههم نحو الشجاعة والصبر والذكاء والحكمة.
وكثيرا ما تحمل القصص في الثقافة الحسانية طابعًا رمزيًا يعكس حكمة الأجداد وتجاربهم، حيث تسهم هذه القصص في نقل التراث الثقافي والقيم الإنسانية عبر الأجيال. ثم إن الارتباط بين التيدينت والحكايات الشعبية يعكس أهمية الموسيقى والقصص في حياة الإنسان الصحراوي، مما يعزز من دورها في نقل التراث وإبقائه حياً للأجيال القادمة.
دور آلة “التيدينيت” في التراث الشعبي في الصحراء الكبرى
تستمد المسرحية اسمها “الــتيدينيت” من الآلة الموسيقية التقليدية التي تعكس جزءاً مهماً من التراث الثقافي في مناطق الصحراء الغربية، خاصة في موريتانيا والمناطق المجاورة. تعتبر التيدينت أحد الوسائل الهامة للحفاظ على التراث الشعبي، حيث تلعب دوراً في إبراز تقاليد وثقافة المجتمعات الصحراوية. ومع مرور الزمن، أصبحت هذه الآلة جزءاً من الهوية الثقافية للأجيال الجديدة، وذلك من خلال الاستمرار في استخدامها في سرد الحكايات وتعليم الأطفال والعائلات القيم التي تحتوي عليها القصص.
شاشة وعملاقة وسينوغرافيا مباشرة بالرسم على الرمال
في بادرة فريدة من نوعها على مستوى الاعمال المسرحية الموجهة للأطفال
قدم المخرج رؤية مجددة على مستوى السينوغرافيا من خلال اعتماده لأول مرة على تقنية الرسم بالرمال لتشكيل سينوغرافيا مباشرة تتماشى وأحداث المغامرة المشوقة وقد تابع الجهور الغفير من الأطفال والأساتذة والمربين والفنانين والصحفيين بشغف أطوار هذه المسرحية مقسمين اهمامهم ما بين الرسام بالرمال تارة وبين مخرجان أنامله على الشاشة العملاقة وهو يرسم مغامرة أبا القاسم في قلب الصحراء
وقد اكتشف الجمهور لأول مرة سينوغرافيا مباشرة ذات صور مشهدية حية حينية إضافة إلى أقنعة وعرائس خيال الظل، مع مراوحة حية لحكواتي أحالنا إلى هيبة المكان والفضاء الساحر الجميل في قلب الصحراء مع مرافقة موسيقية أصلية من الثقافة الحسانية للفنان الموريطاني محمد ولد آبة الموريطاني وموسيقى مبتكرة مصاحبة لفنان الطفولة سامي دربز.
وما اعتماد حافظ خليفة على سينوغرافيا رقمية بتقنية الرسم بالرمال للمبدع الحبيب الغرابي إلا ليكون تعبيرا حي على أهمية التواصل المباشر مع الطفل لخلق صور حية تفاعلية تنمي خياله وتغذي احاسيسه بطريقة تجانس بين اللعبة المسرحية والحدث والسينوغرافيا والتمثيل وخيال الظل لخلق الجانب الفرجوي والمتكامل على مستوى الجمالية شكلا ومضمونا.
شارك في هذا العمل جميلة كامارا والعروسي الزبيدي وفاطمة الزهراء المرواني ونزهة حسني في التمثيل وفي تحريك العرائس مفيدة المرواني وكمال زهيو وفي صناعة العرائس وليد وسيعي والرسم بالرمال حبيب الغرابي واضاءة و توضيب عام كمال زهيو وازياء ماجدة محجوب .
النص للكاتب حافظ محفوظ وال موسيقى والاغاني للفنان سامي دربز وتوزيع موسيقي رامي المكوّر وعزف على آلة التيدينيت الشيخ ولد الداه ولد آبة . سينوغرافيا و إخراج حافظ خليفة
والمسرحية من انتاج شركة سيباريو للانتاج الفني وبدعم من وزارة الشؤون الثقافية
