أمام الإحتياج النفسي الشديد.. يدفع الإنسان أحياناً أي ثمن..!!
حين تنشأ في أسرة تمنع عنك أبسط احتياجاتك النفسية الضرورية كالحب والاهتمام والحنية والدعم والحماية والسند ستبقى تبحث عن تلك الأشياء طوال سنوات حياتك المقبلة كالراكض وراء السراب في الصحراء يجره الظمأ ولايجني سوى الخذلان.
هؤلاء الأشخاص الذين عانوا من الإهمال العاطفي سيجذبون دوما أشخاصا مزيفين متلاعبين ليرموا لهم ب (فتات) الحب والاهتمام ..
فالعطاشى يفرحون ولو بقطرة ماء تلعقها شفاههم من شدة الظمأ…
هنا سيكون التعلق شديدا ،مهما تم سحق هؤلاء الأشخاص نفسيا وجسديا من قبل المؤذي سيبقون متمسكين به بشدة والسبب هو:
إن الشخص الذي عانى في طفولته من اهمال وعطش عاطفي سيكون مرعوبا من فكرة الهجر ..أن يٌترك وحيدا أن يفقد من منحه الحب حتى لو كان مزيفا.. ويفقد (الفتات) الذي يأخذه منه مقابل لما ينقصه.. وما يحتاجه..
المسألة معقدة جدا بقدر تعقيد النفس البشرية ،وسألخص الشرح بالتالي:
الباكيدج التي يقدمها معظم المسيئين والمؤذيين والمستغلين لضحاياهم هي:
أنا سأعطيك اهتمام شديد جداااااااا.. لكني سأسحبه منك فى أي وقت.. إذا لم تعطني ثمنه ..
أنا .. سأسمعك.. وأحتويك.. وأبين أن لك في قلبي حب كبير ،أنا أحبك..مادمت /مادمتِ تدوس/تدوسين على نفسك وكرامتك ورغباتك من أجلي.. وتسمع/تسمعين كلامي.. وتعطيني من جسمك.. وروحك.. وأحياناً أموالك.. وطبعاً وقتك ومشاعرك..
أنا موجود.. ولو رحلت عنك لن تجد/تجدي مثلي أبدا…. أو حتى غيري ..وستبقى وحيدا للأبد ..
ويتطور هذا التلاعب النفسي بمرور الوقت.. وفي حالات أخرى يبدأ المتلاعب بالتخويف والتهديد بالبعد.. أو الهجر.. أو الرفض.. أو إيجاد بديل..
بركان ناره تلمع من بعيد ساحرة دافئة.. لكنه عن قرب.. لهيب مستعر مميت..
حضن ساخن من الاهتمام المزيف.. يليه صقيع وبرد من الأذى الشديد..
منتهى الإزدواجية.. قمة الحيرة.. أقصى حد من الرسائل المزدوجة..
تعقيد شديد على المستوى البيولوجي للدماغ …
سيبدأ الدماغ يربط بين هذه المشاعر (المزيفة).. وبين الأذى والألم..
والرابطة القوية هذه ستتحول بعد مدة إلى جزء من تكوينه (العصبي والنفسي).. حب يعنى أذى.. اهتمام يعنى ألم..سيتحول هذا الشخص إلى مدمن أذى …
لايشعر ولا يفهم الحب.. إلا حين يكون مصحوبا بألم.. لا يستمتع بالقرب.. إلا مخلوطا بالوجع …
لايملك معنى آخر للاهتمام.. إلا بسحق الكرامة..
ويكبر/تكبر على هذا النمط ..
دفقة هائلة من الدوبامين (هورمون النشوة والسعادة).. ثمنها التنازل عن النفس.. والجسم.. والروح..
ولو قال مرة (لا).. سيأتيه الرد من المتلاعب والمؤذي سأعاقبك.. أبتعد عنك.. واسحب من مخك كل الدوبامين الذي تشبع به.. وستتلوى ألما من أجل لحظة واحدة مشبعة بدفقة دوبامين كنت امنحك إياها..
فتتمسك الضحية بالمتلاعب كالمدمن على المخدرات وتقدم التنازلات وتفرش ضلوعها جسرا ليسحقها بقدميه مقابل إلا يتركها ويرحل ..
هنا ستكون قمة السعادة للمتلاعب فيرش على ضحيته شوية دوبامين من اهتمام وغرام مزيف يكفيه لأيام ثم يعود للتهديد بالهجر من جديد ويظلان يدوران في حلقة مفرغة ،أحدهما يأخذ والآخر يعطي بلا قيد أو شرط. ..
لذا تجد كثيرون يكررون نفس هذا النمط من العلاقات مع عدة أشخاص..
البحث الدائم عن الحب والاهتمام والاحتواء الحاجات النفسية غير المشبعة أو المفقودة من الطفولة ودفع أي ثمن مقابل الحصول عليها.
النفس البشرية من أعقد ما يكون..
لكن ليس الأمر قاعدة لا استثناء لها ،فهنالك من يختار أن يكمل فى علاقة مؤذية رغم أنه كان مشبعا عاطفيا في طفولته وفي أسرة محبة وداعمة لكن ستكون للأسف حسن النية.. والبراءة.. وطيبة القلب هي نقطة الضعف التي يتسلل من خلالها الأذى ،الطيبة والنقاء يكونان أحيانا الثقب الذي تتدفق عبره مياه البحر لتغرق السفينة..
دوما هناك من يدفع ثمن.. ويستمر بالدفع .. من نفسه.. وجسمه.. وكيانه..
بسبب بحثه عن أب/أم غائب /غائبة، حب واهتمام مفقود ..
أحيانا ينجذب لشخصيات تشبه من فقدهم وأحيانا أخرى عكسهم تماما..
يبقى يتسول اهتمام.. ويستجدى حضن.. ويدفع رشوة غالية من أجل بعض من الحنان المزيف.. هو محتاج أم.. عكس أمه.. أو مثلها تماما ..
أو هي بحاجة لأب مثل أبيها أو عكسه تماما..
سيترك نفسه كما ريشة فى مهب الريح تعصف به كيفما تشاء لمجرد شعوره بأنه موجود ،محبوب ..
يبقى محملا بالذنب كما السارق كما الخاطئ ،ممزق في صراعه النفسي بين كرامته وبين (فتات) حب واهتمام تمسح على قلبه الملتاع وقطرات منها تبلل شفتيه الذابلتين.