الغيت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المرتقبة للولايات المتحدة الأمريكية إن السيسي لن يحضر أي محادثات في البيت الأبيض إذا كان جدول الأعمال يشمل تهجير سكان غزة. وجددت مصر موقفها الرافض لتهجيرِ الفلسطينيين ولوحت بإلغاء اتفاقيات السلام مع إسرائيل يأتي هذا فيما أقيم استعراض لقوات الأمن المركزي المصرية في محافظة شمال سيناء على مسافة أمتار من حدود غزة. إن الرئيس عبد الفتاح السيسي لن يسافر إلى واشنطن لإجراء محادثات في البيت الأبيض إذا كان جدول الأعمال يشمل خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنقل الفلسطينيين من قطاع غزة.
ووجه ترامب دعوة للسيسي لزيارة واشنطن في اتصال بينهما في الأول من فبراير، حسبما ذكرت الرئاسة المصرية في وقت سابق.
وسبق أن رفضت مصر رسميا اقتراح ترامب بتولي زمام الأمور في القطاع من إسرائيل، وإنشاء “ريفييرا الشرق الأوسط” بعد نقل الفلسطينيين إلى أماكن أخرى منها مصر والأردن، وهو ما رفضه الأردن أيضا. وهدد الرئيس الأميركي، الاثنين، بإيقاف المساعدات للأردن ومصر إذا لم يستقبلا اللاجئين، في إشارة إلى سكان غزة.
ورأت مصر، أن ذلك يجب أن يتم عبر إيجاد “تسوية عادلة للقضية الفلسطينية” تضمن حقوق شعوب المنطقة وتراعي الأبعاد السياسية والقانونية للصراع. أن تنفيذ حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والتعايش المشترك بين شعوب المنطقة، مشددة على أهمية الجهود الدولية في دعم هذا المسار بما يضمن تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط.
كثيرة هى المحاولات والتحركات التى بذلها الجانب العربى، وفى مقدمته مصر، لإنهاء الصراع العربى – الإسرائيلى القائم منذ عقود، والذى تسبب –وسيظل- فى عدم استقرار الشرق الأوسط كمنطقة اقتصادية غاية فى الأهمية والحيوية الجيوستراتيجية للعالم أجمع. ورغم المسئولية المباشرة للولايات المتحدة فى تحمل تعبات معالجة هذا الصراع، بما يحقق المصلحة العربية والإسرائيلية بتأمين بيئة مستقرة يمكن من خلالها ضمان الحد الأدنى من العيش المشترك، وفق مقررات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، فإن الإدارات الأمريكية انحازت على مدى العقود الماضية، مدفوعة بضغوطات اللوبى الصهيونى لمصلحة المحتل الغاصب على حساب صاحب الحق الأصيل المستضعف،
وهو ما عمق من شدة الصراع وضاعف من تأثيراته السلبية المتفاقمة على أمن واستقرار المنطقة، وبدلاً من أن تتحرك الإدارة الأمريكية الحالية فى اتجاه الحل وتدفع المحتل ليقدم تنازلات مشروعة تعجل من إمكانية الوصول لحل توافقى للقضية، إذا بها تقدم ودون مبرر على خطوات كارثية لم تتخذها الإدارات السابقة الأشد تعصباً. فتارةً، توقف تمويل منظمة الأونروا، وأخرى تنقل سفارتها للقدس، وثالثة الأسافى تعترف بسيادة الاحتلال الإسرائيلى على هضبة الجولان السورية المحتلة،
وها هى تدبر وتخطط وتستعد للإعلان الأحادى عن المزيد من تلك التحركات المرفوضة، فى إطار ما يطلق عليها “صفقة القرن”. فعن أى صفقة يخطط الرئيس “ترامب”؟ وعلى أى أساس، أو سند إنسانى، أو شرعى أو براجماتى يتخذ مثل تلك التحركات الظالمة المعادية لكل الحقوق والأعراف والقوانين الدولية؟! بل والتى تتعارض فى حدها الأدنى ما يمكن أن يطلق عليه ضمانات الحفاظ على بيئة مواتية تعزز من فرص إنجاح الشراكات الاستراتيجية مع الأطراف العربية، فى مقدمتها مصر، وهل من الوارد أن يغير “ترامب” من قناعاته ويتخذ أى تحركات تثبت حسن نيته فى دعم أو الحفاظ على الحد الأدنى من هذه الشراكة المزعومة، فى ظل حرصه على هذه التحركات؟!.
كثيراً ما اتصفت السياسة الأمريكية عبر العقود الماضية بالبراعة فى الجمع بين المتناقضات، وفتح قنوات اتصال مع الشركاء والفرقاء فى ذات التوقيت. فهى تستطيع من خلال ذلك تحقيق مكاسب وتوازنات مشروعة وغير مشروعة، لكنها قائمة والكل فى المنطقة يتعامل معها ويتحمل تبعاتها دون أى مؤشرات إيجابية تشير الى احتمالية تغيير هذا السلوك، ومن تلك المشاهد المؤسفة التى باتت غامضة على المختصين وغير المختصين من كثرة شواهد الإثبات؛ تلك العلاقة المشئومة بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية وتنظيمات الإرهاب فى العالم والشرق الأوسط والمنطقة العربية على وجه التحديد،
والتى تجيد واشنطن صناعتها بالتدخل المباشر أو عبر الشركاء والوكلاء، وهى الفلسفة التى تسببت على مدى عقد من الزمان فى تدمير عدد من البلاد العربية، باستنزاف مواردها وتدمير جيوشها وتركها فريسة للخراب والدمار تصارع التقسيم والخراب، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها أو إمكانية تحمل المسئولية القومية فى الدفاع عن الأرض العربية المغتصبة، أو تسهم فى تحريرها يوماً ما من سلطات الاحتلال الإسرائيلى فى مقبل الأيام. وفى سبيل الوصول لتلك الغاية “الصهيو-أمريكية” لا تزال تتواصل وتدعم الولايات المتحدة هذه التنظيمات بالأمر المباشر أو عبر الوكلاء بصورة باتت مرفوضة ومنبوذد من الجميع،
بل باتت معدومة العائد فى المستقبل القريب. ورغم الإعلان والحرص المستمرين من قبل الولايات المتحدة على مواجهة الإرهاب والمشاركة فى مقاومة تنظيماته القائمة، ومحاصرة خلاياه النائمة فى المنطقة، لم ولن تبذل واشنطن حتى اللحظة أية جهود تذكر فى إرغام شركاء ووكلاء الأمس على التوقف عن دعم ما تبقى من هذه الكيانات فى ليبيا وسوريا واليمن والعراق، بل ها هى تقف وتدعم وتطالب المعتدى عليهم ليل نهار بالصفح والسماح وفتح صفحة جديدة مع المعتدين المجرمين. فما هى حدود المصلحة المشتركة التى تستهدف واشنطن تحقيقها من تلك المحاولات؟!. وعن أى مستوى من التعاون والشراكة الاستراتيجية والناتو العربى الذى يمكن أن يضمن تحقيق أمن واستقرار المنطقة؟!.
فى ظل السعى الحثيث للإدارة الأمريكية فى إشراك المتناقضين أو الجانى والمجنى عليه فى ذات الشراكة، والتحالف دون القصاص، أو التوقف عن هذا السلوك التدميرى المرفوض، أو حتى تقديم الحد الأدنى من الاعتذار.
من ثم؛ ماذا سيقدم الجانب الأمريكى لنظيره المصرى من ضمانات فيما يتعلق بمعالجة السلوك الإسرائيلى، أو القطرى، أو التركى، أو الإيرانى التخريبى فى المنطقة، حتى يمكن للجانب المصرى أن يطالب الشركاء العرب بدعم هذه التحركات والتحالفات؟!. وما هى الضمانات الجادة التى ستقدمها واشنطن لتدعم تحركات مصر “السيسى” فى ليبيا وسوريا واليمن وغيرها من البلدان؟!. إذن؛ كثيرة هى الملفات التى تشغل بال صانع القرار المصرى فى تلك اللحظة العصيبة من عمر المنطقة العربية، والتى لم يعد مقبولاً من الجانب الأمريكى أن يساوم أو يناور فى تصويب سلوكه تجاهها بتحركات ومراجعات وضمانات جادة، حتى يثبت للشريك الأقوى والأبرز فى الشرق الأوسط مدى جديته فى دعم وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين.
وعليه، فبدون الحرص الأمريكى على اتخاذ تلك التحركات، فعن أى دعم وتعزيز للعلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن يمكن أن يقدمه الرئيس “ترامب” خلال تلك الزيارة لنظيره المصرى، فى ظل إبقاء واستمرار وحرص الجانب الأمريكى على تحركات أحادية تتعارض مع ضمانات الحد الأدنى من متطلبات الحفاظ، وليس تعزيز تلك الشراكة الاستراتيجية؟.
وهل يمكن للإدارة الأمريكية أن تعيد حساباتها مع مصر والعرب فى تلك اللحظة الحرجة من عمر تلك العلاقات وعمر المنطقة، وتقدم للقيادة المصرية خلال تلك الزيارة ضمانات جادة وجديدة تمكن الطرفين من تجاوز مرحلة الشك والتوجس المتبادلة بعد ثورة 30 من يونيو، وفشل المخطط الأمريكى فى السيطرة على مصر والمنطقة من خلال المشروع الإخوانى، ليدخل الطرفان فى شراكة استراتيجية حقيقية وصادقة يمكن من خلالها حلحلة تلك القضايا المعلقة من منظور مصرى يراعى الحقوق العربية ويحقق الغايات الأمريكية، ويتجاوز سلبيات الماضى القائم على الاستغلال والتبعية الى الدخول فى مرحلة جديدة عنوانها الندية، والاعتماد المتبادل، والحرص على المصالح المشتركة للشركاء، فى ظل تجاوز مصر الحاضر والمستقبل لكل سلبيات المرحلة الإنتقالية،
بعد أحداث الربيع العربى، وتحولها الى قيادة وريادة إقليمية وشرق أوسطية، لم يعد من السهل أو الصواب تجاوز القوى الدولية والإقليمية لوجهة نظرها عند معالجة ملفات الشرق الأوسط؟، أم لن تخرج تلك الزيارة عن سياقها التقليدى فى التفاعل الفاتر المعتاد من قبل الإدارة الأمريكية مع اليد المصرية الممدوة للتعاون الجاد، والتى دوماً ما تحرص فيها واشنطن، بالإضافة إلى الإخراج والتصريحات الدبلوماسية والبروتوكولية للمشهد، إلى تقديم وعرض وجهة نظرها فى معالجة الملفات من منظور فوقى، على أمل أن يقبل الطرف الآخر تلك الاشتراطات دون إبداء أى اعتراض أو مراجعة؟. وهى الطريقة التى لم ولن تعد مقبولة أو مستساغة لمصر الواقع والمستقبل، فى ظل عودة القاهرة الى دورها الريادى فى المنطقة وتحولها الى قوة إقليمية وشرق أوسطية لم يعد من الصواب الاستهانة بها، ومن ثم ستكشف وقائع ومخرجات تلك الزيارة عن مدى حرص الجانب الأمريكى على تعزيز تلك الشراكة بالقدر الذى يتحمل فيه مسئوليته المنفردة تجاه كل تلك الملفات.
