إن قبول الواقع، والتعايش مع أحداثه، ووضع مقترحات، وحلول لما قد يواجه الإنسان من مشكلات، وقضايا، ومحاولته العمل على إيجاد مخارج، قد تشكل بدائل، يختار أفضلها، وهذا يُعد في مجمله نمطًا من الإيجابية، التي تشير إلى إعمال العقل بصورة إيجابية، وهنا نستطيع القول أن الفرد ينبغي ألا يستسلم للأمر الواقع، ويتقبله، دون أن يبذل الجهود، التي يسعى من خلالها إلى تغييره، للصورة القويمة، أو الصحيحة.
إن تحمل المسئولية من بداية تؤكد على استعداد الفرد نحو ممارسة التفكير في صورته الإيجابية التي يملؤها التفاؤل، ويكسوها طموح التوقعات التي تبعدنا عن الصورة السلبية؛ ومن ثم تقدح الأذهان بمزيد من الأفكار التي تتأتى من المناخ الداعم لهذا النمط من التفكير، وبناء عليه تتوالد المزيد من الأفكار، والرؤى التي تعزز المقدرة على التعامل، والسيطرة على الموقف، بل يفتح ذلك الطريق نحو عقد شراكات مع الآخرين تستهدف إعمال العقل الجمعي؛ بغية الوصول إلى أفضل الحلول التي يتم التوصل إليها، وهذا في حد ذاته يشير إلى ماهية تقبل من رؤى الغير.
والثقة بالنفس تعني مرونة التفكير، وقبول التحدي، وتقبل وجهات النظر المتباينة التي تقوم على دلائل، وبراهين منطقية، وهو ما يعني أن الفرد قد أضحى لديه سيطرة على جموح العاطفة؛ فيستطيع أن يندمج مع الآخرين، ويصل بذاته إلى ممارسات عقلية تعبر عن إيجابيته، بل ويحقق من خلالها نوعًا من تدشين العلاقات الجيدة مع الغير، وهذا يباعد بينه، وبين توقعات الإخفاق، أو الفشل، ويجعله دومًا قريبًا من مسارات التفكير الإيجابية القويمة.
إن القلق في حد ذاته لا يتناغم مع ماهية التفكير الإيجابي لدى الفرد؛ لكونه يحد من مقدرته على المواجهة، بل قد يقلل من توالد الأفكار؛ حيث يزيد من حالة التشتت، والاضطراب؛ لذا فقد بات تدريب أبنائنا على فلسفة التفكر، وتعقل الأمور، وإعمال العقل تحت مبدأ المحاولة في خضم مناخ مواتي يعزز المقدرة على المواجهة؛ ومن ثم يزيد من طموح الفرد تجاه البحث عن الحلول المنجزة التي ترتبط بالقضية محل الاهتمام، وهذا يفتح بوابة الطمأنينة أمام الأبناء؛ ومن ثم يزاد تفاعلهم، وتنمو مستويات التعاطي الإيجابي مع ما يواجههم من تحديات، أو مشكلات بمختلف أنماطها.
الاستسلام يقوض من إيجابية الفرد في كل الأحوال، وهذا ما يوجب علينا أن ندرب الأبناء على الإقدام تجاه تحقيق الهدف؛ فلا مجال للإحباط حتى وإن أخفق الفرد في مساره؛ إذ يجب أن تتوالى فرصة المزيد من المحاولات أمامه؛ كي يصل في نهاية المطاف لغايته، وما يتطلع إليه، بما يعزز مقدرته على استكمال المزيد من الخبرات، وهذا في حد ذاته يقوي العزيمة نحو الإيجابية؛ ومن ثم تزداد شجاعة أبنائنا شيئًا فشيئا تجاه خوض غمار المواجهة.
إن تقبل النتائج مهما كانت صورة للإيجابية التي ينبغي أن نخلقها في نفوس الأبناء، وهذه دعوة صريحة؛ لتعزيز الإيجابية بغض النظر عن طبيعة الموقف، ودرجة المخاطر التي تتعلق به، وبناءً عليه يتوجب أن ندربهم على مزيد من المواقف الضاغطة التي تزيد من تحملهم، وتدفعهم نحو ممارسة التفكير الإيجابي، وأرى أن ذلك يسهم في إحداث تهدئة داخلية لدى الإنسان؛ حيث دومًا يركز على الإيجابيات التي تحثه على مزيد من انتهاج فلسفة التفكير المنتج.
والتفكير الإيجابي يساعد الأبناء في الوصول لحلول منجزة من شأنها أن تخلق مستويات من السعادة التي قد نرى ملامحها بالعين المجردة، وهذا في حد ذاته بداية للشعور بالرضا، سواءً أكان موجهًا نحو الذات، أم خارجها تجاه ما تم إنجازه على أرض الواقع، وهنا لا ينسدل الأمر على صورة اكتساب الخبرة المقصودة التي يتلقاها الأبناء داخل مؤسساتنا النظامية الرسمية منها، وغير الرسمية، بل قد يتعلق الأمر بأنماط الحياة، وصور المعيشة في مجالاتها المختلفة.
من سمات الإيجابية لدى الأبناء شغفهم، ورغبتهم في اكتساب المزيد من الخبرات، وهذا يجعلهم يتحرَّون الدقة فيما يطالعونه من معارف، كما يسعون دأبًا للمصادر الموثوقة، والموثقة التي يتشربون منها معارفهم، وهو ما يعزز إيجابيتهم نحو ممارساتهم؛ فلا يصاب الفرد بالملل، أو الكلل، أو الإحباط؛ فقد تكونت القناعة لديه بأن بلوغ الغاية يستلزم بذل الجهد من خلال نمط التفكير الإيجابي الذي يساعد في تحقيق ما يصبو إليه، وبناءً على ذلك يمكننا القول بأنه كلما زاد رصيد أبنائنا المعرفي نتوقع زيادة مضطردة تجاه ممارسة هذا النمط من التفكير المتفرد.
وإذا ما أردنا أن نخلق بيئة داعمة للابتكار، والإبداع؛ فإنه يتوجب علينا أن نعزز مداخل حب الاستطلاع لدى الأبناء؛ ومن ثم نحثهم على الإقدام، ونمدهم بالمقومات التي تحثهم على ممارسة التفكير الإيجابي بمزيد من الأنشطة المقصودة، والمخططة، والتي تحتوي على مهام من شأنها أن تجذب تفاعلاتهم نحو أدائها، وهنا يجب أن نلتفت إلى أمر مهم من شأنه أنه قد يقلل من الدافعية تجاه تبني الإيجابية، وهذا يتمثل في انتهاج سياسة الروتين مع الأبناء؛ كونه أحد مسببات الحد من التفكير الإيجابي.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر