كتب المبدع العراقي الأستاذ برهان المفتي
[ يستمر الروائي المصري ناصر عراق في كتابة الرواية الدائرية ، تلك التي تعود نهايتها إلى الصفحة الأولى التي بها تبدأ الحكاية، فبعد ( العاطل ) و ( الأزبكية )، يقدم لنا ناصر ( الكومبارس ) إستمراراً لهذا الأسلوب في تصميم مسارات رواياته.
وناصر بارع في التصميم و ( الكومبارس ) دليل على ذلك، فكل شيء في هذه الرواية يضع القارىء في أجواء السينما، بدءاً من الغلاف. فعنوان الرواية مكتوب بخط يضع القارىء أمام ملصقات أفلام السبعينيات والثمانينيات،
ثم توزيع أحداث الرواية أو الحكاية على لقطات سريعة لا تأخذ كل لقطة من القارىء – المشاهد – غير دقائق قصيرة في متابعتها والإنتقال إلى لقطة بعدها،
وأطول لقطة لا تتجاوز أربع صفحات، حتى تشعر وأنت تقرأ – تشاهد تلك الصفحات أنّ الرواية بحاجة إلى موسيقى تصويرية لإكتمال مقومات فلم عنوانه ( الكومبارس ).
يلعب ناصر لعبته في إختيار أسماء شخصياته بعناية مختزلة تضع أبعاد الشخصية في إسم مكثف، ف(عبدالمؤمن السعيد ) يسوقه قدره وما ( السعيد ) إلا ضربة كونتراس فنية،
وزوجته ( إيمان) وصراعها الإيماني بين موروثها الديني وأفكار حبيبها وزوجها الثاني، والشخصية الضبابية ( يحيى) إبنه والذي هو شرارة الرواية رغم أنه ميت من الصفحة الأولى، وعودته بشخص الحفيد الذي يحمل الإسم نفسه،
والابنتان ( فاطمة ) التي تجبرها تقلبات مزاج زوجهاعلى فطام الحب مبكراً، و ( فاتن ) التي تركض حول فتنة الثورة ورومانسيتها.
يعطي ناصر للقارىء- المشاهد مفاتيح ذكية في كلمة أو سطر أو معلومة، فتغيير إسم صيدلية من صيدلية الإنتصار إلى صيدلية التقوى والذي يذكرها الكاتب في سطر محشور في الحكاية، إنما هو تغيير عصر كامل ، إنتهاء عصر أكتوبر ومجيء عصر الأخونة وتقريب التيارات الدينية التي قام به السادات.
كما أن قيام التاجر والمقاول والد ممثل فاشل بإنشاء شركة إنتاج فنية لتسويق أفلام إبنه هو إشارة إلى سينما المقاولات التي أتلفت الصناعة السينمائية المصرية في الثمانينيات .
نرى في الرواية أن الكاتب يحرص على الإبتعاد من جرأة المشاهد الحميمة كما يبتعد المخرج عن ذلك ليتجنب مقص الرقابة الفنية، فيكتفي برسم المشهد الحميم دون التفاصيل ،
رغم براعة أم عبير في فنيات الجسد ولهفة إيمان لحاجة الجسد ورغم محاولات ياسمين المثيرة لجذب زوجها التارك للنساء !
رواية ( الكومبارس ) هي رواية صراع نفسي كبير وعدم القدرة على تجاوز الصدمة،
والصدمة في هذه الرواية تأتي وتتواصل على سطور الرواية في خطٍ موازٍ لرحلة عبدالمؤمن السعيد ، ذلك الذي عاكسته الأقدار في كل لقطة من حياته حتى في تركيبته الجسمانية والصوتية التي كانت سبباً في إبتعاد المخرجين عنه في عصر الوسامة السينمائية المصرية في السبعينيات والثمانينيات القرن الماضي.
بعد قراءة الكومبارس نردد السؤال نفسه : ما جدوى كل ما نفعل إذا كنا في النهاية من حصة دودة الأرض ؟ ].
- صدرت الطبعة الأولى من [ الكومبارس ] عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة عام 2016، ثم توالت الطبعات بعد ذلك.
- الشكر كله يتدفق إلى المبدع العراقي الكبير الأستاذ المهندس برهان المفتي.