الاخبارية – وكالات
في مشهد يكاد يُعيد التاريخ بصيغته الأكثر دموية، عادت روسيا لتُذكر العالم مجددًا بأن زمن الحروب الطويلة لم ينته بعد. في أول محادثات مباشرة مع أوكرانيا منذ ثلاث سنوات، والتي عُقدت يوم الجمعة في قصر دولما بهجة العثماني بمدينة إسطنبول، استدعى كبير المفاوضين الروس، فلاديمير ميدينسكي، صدى حروب القياصرة ليُبرر موقف بلاده ويُهدد باستمرار الحرب إلى ما لا نهاية.
قال ميدينسكي مخاطبًا الوفد الأوكراني: “لسنا من دعاة الحرب، لكننا مستعدون للقتال عامًا أو عامين أو ثلاثة… لقد خضنا حربًا مع السويد دامت 21 عامًا. كم من الوقت أنتم مستعدون للقتال؟”. وبذلك استحضر ميدينسكي حرب الشمال العظمى التي خاضها بطرس الأكبر في القرن الثامن عشر ضد السويد، والتي انتهت بعد أكثر من عقدين بانتصار روسيا، رغم بداياتها المهينة.
هذا التلميح التاريخي لم يكن صدفة. فلطالما حاول الرئيس فلاديمير بوتين أن يُقارن نفسه ببطرس الأكبر، مكرّرًا رواية ترى في الحرب الحالية محاولة “لاستعادة الأراضي الروسية”، لا لاحتلالها. ففي عام 2022، قال بوتين حرفيًا إن بطرس لم “يأخذ” شيئًا من السويد، بل “استعاد ما هو روسي”. اليوم، يبدو أن ميدينسكي يُعيد استخدام نفس الرواية، ليُضفي على الحرب الحالية غطاءً تاريخيًا قوميًا يُمهد لاستمرارها.
شروط روسيا القديمة – المتجددة
لم يقدّم الوفد الروسي شيئًا جديدًا، بل أعاد عرض الشروط نفسها التي ترفضها كييف منذ البداية: التنازل عن أراضٍ – بعضها لا تزال تحت سيطرة أوكرانية – وتقليص حجم الجيش الأوكراني، وتعهد دائم بعدم الانضمام إلى الناتو أو السماح بوجود قوات غربية على أراضيها. الرسالة الروسية كانت واضحة: إما أن تستسلموا الآن… أو تواجهوا مطالب أكثر قسوة لاحقًا.
وبحسب الصحفية مارغريتا سيمونيان، رئيسة قناة RT الموالية للكرملين، فإن الوفد الروسي قال صراحة إن موسكو قد توسّع مطالبها مستقبلًا من خمس مناطق محتلة إلى ثمانٍ، في حال رفضت كييف الاتفاق الآن.
نتائج هزيلة وسط أجواء مشحونة
لم تدم المحادثات أكثر من ساعتين، وخرجت بنتيجة وحيدة: اتفاق مبدئي على تبادل ألف أسير حرب. أما مطلب أوكرانيا بوقف إطلاق النار، فقد قوبل بالرفض التام.
الرد الروسي لم يتأخر كثيرًا؛ فبعد ساعات من انتهاء المحادثات، قُتل تسعة مدنيين في قصف استهدف حافلة في منطقة سومي شمال شرقي أوكرانيا، في تأكيد عملي لنية موسكو في تصعيد القتال لا تهدئته.
بين زيلينسكي وترامب… ضغوط غير متكافئة
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي بدا مرهقًا خلال ظهوره في السفارة الأوكرانية بأنقرة، حاول بعناية ألا يُغضب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي يزداد نفوذه في ملف الحرب. فبعد ضغط مباشر من ترامب، أرسل زيلينسكي وفده إلى إسطنبول، رغم تشكيكه في جدية الوفد الروسي الذي وصفه بـ”أدوات مسرحية”.
لكن، وعلى الرغم من ما قدمه زيلينسكي من تنازلات في الأسابيع الأخيرة – سعيًا لإظهار استعداده للسلام – جاء رد ترامب محبطًا. ففي مقابلة مع فوكس نيوز، قال ترامب إن “لا شيء سيحدث” قبل أن يجتمع شخصيًا مع بوتين، مشيدًا بعلاقته الجيدة به، ورافضًا انتقاد غياب الرئيس الروسي عن المحادثات.
اقتصاد الحرب الروسي يستعد لطول المعركة
يبدو أن موسكو تراهن على عامل الوقت. فروسيا تحقق تقدمًا بطيئًا على الأرض، بينما يتراجع زخم الدعم الأوروبي لكييف. في هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي الروسي فلاديمير إينوزيمتسيف أن الاقتصاد الروسي قادر على تحمل أعباء الحرب لـ18 شهرًا على الأقل، مضيفًا أن “التمويل العسكري سيبقى المهمة الأساسية للاقتصاد الروسي لفترة غير محددة”.
أوروبا المرتبكة ومصير المفاوضات
بدأ الأسبوع بحضور لافت لأربعة من قادة أوروبا في كييف، حيث وجهوا رسالة قوية لبوتين: “إما وقف فوري لإطلاق النار، أو إجراءات عقابية منسقة”. لكن بنهاية الأسبوع، لم يتحقق وقف إطلاق النار، ولم تُفرض أي عقوبات.
كل ما خرج به القادة الأوروبيون كان وعدًا مبهمًا بـ”مواءمة تحركاتهم المستقبلية”. في المقابل، واصلت روسيا قصفها، ورسّخت رسالتها: الزمن في صالحنا، والسلام بشروطنا فقط.