الاخبارية وكالات
في تصعيد جديد للأزمة الإنسانية والسياسية المتفاقمة في قطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عزمه فرض “السيطرة الكاملة” على القطاع، متحديًا ضغوطًا دولية متزايدة من حلفاء رئيسيين لإسرائيل، هم بريطانيا وفرنسا وكندا، الذين وصفوا التصعيد الأخير بأنه “مفرط” و”انتهاك صارخ”، مهددين باتخاذ “إجراءات ملموسة” إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري وتسمح بوصول المساعدات الإنسانية.
وقالت الحكومات الثلاث في بيان مشترك:
“لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تواصل حكومة نتنياهو هذه الأفعال الفاضحة. إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع قيودها على المساعدات الإنسانية، فسنتخذ خطوات عملية ردًا على ذلك.”
إعلان حرب.. ومجاعة تلوح في الأفق
تزامن هذا التهديد الدبلوماسي مع إعلان الجيش الإسرائيلي مدينة خان يونس بأكملها “منطقة قتال”، وشنت الطائرات الحربية غارات عنيفة أودت بحياة أكثر من 60 شخصًا خلال يوم واحد فقط. في الوقت نفسه، صرّح وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، بأن الجيش “سيمحو ما تبقى من غزة الفلسطينية”، مؤكدًا على نية إسرائيل البقاء في القطاع حتى “تدمير حماس بشكل كامل”.
ضغط المجاعة يدفع نتنياهو للتراجع.. جزئيًا
تحت ضغط التحذيرات الدولية من مجاعة وشيكة، اضطر نتنياهو مساء الأحد للإعلان عن تخفيف جزئي للحصار المفروض على غزة منذ 11 أسبوعًا، لتفادي “أزمة جوع واسعة النطاق”، حسب تعبيره. ومع ذلك، وبعد مرور 24 ساعة، أفادت الأمم المتحدة أن 9 شاحنات فقط سُمح لها بالدخول إلى القطاع – وهو ما يمثل أقل من 2% من حجم المساعدات اليومية التي كانت تصل قبل اندلاع الحرب، ولا يكفي للتخفيف من الأزمة التي تهدد حياة نحو 2.3 مليون نسمة.
الدول الثلاث وصفت الخطوة بأنها “غير كافية تمامًا”، محذّرة من أن استمرار هذا النهج قد يُعد خرقًا للقانون الدولي، ودعت إلى “العودة إلى إيصال المساعدات بما يتماشى مع المبادئ الإنسانية”.
خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية
قرار السماح بدخول كمية ضئيلة من المواد الغذائية قوبل بانتقادات لاذعة من اليمين الإسرائيلي المتطرف، بمن فيهم وزراء داخل حكومة نتنياهو. وفي محاولة لاحتواء الغضب الداخلي، نشر نتنياهو مقطع فيديو قال فيه إن يده “أُجبرت” على اتخاذ هذا القرار بعد تحذيرات من “أقرب أصدقاء إسرائيل” من أن استمرار عرض صور المجاعة في غزة سيُفقد إسرائيل دعمهم.
وقال:
“قالوا لي: لا يمكننا تقبل صور الجوع الجماعي. لن نتمكن من الاستمرار في دعمكم.”
وأضاف أن تدهور الأوضاع داخل غزة بات يهدد بتجاوز “الخط الأحمر”، وقد يؤدي إلى “فقدان السيطرة”.
وعود أمريكية… وهجوم إسرائيلي
وفي حين توقعت بعض الأوساط الدبلوماسية أن يسهم تدخل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب – الذي زار المنطقة مؤخرًا – في التوصل إلى هدنة شاملة، جاءت المفاجأة بإطلاق إسرائيل هجومًا بريًا جديدًا على غزة فور مغادرته المنطقة. وكان ترامب قد صرّح بعد الزيارة بأن “الكثيرين يتضورون جوعًا في غزة”، متعهدًا بـ”التحرك لمعالجة الوضع”، دون تقديم تفاصيل.
حصيلة ثقيلة وواقع إنساني كارثي
الهجمات الإسرائيلية خلال عطلة نهاية الأسبوع أودت بحياة المئات، وطالت منشآت طبية باتت بالكاد تعمل. وتشير الأرقام إلى أن إجمالي عدد القتلى في غزة منذ اندلاع الحرب بلغ 53,486 قتيلًا، غالبيتهم من المدنيين.
وفي رسالة متلفزة على “تيليغرام”، قال نتنياهو:
“القتال عنيف ونحن نحقق تقدمًا. سنفرض سيطرتنا على كامل أراضي القطاع.”
من جانبها، أمرت القوات الإسرائيلية بإجلاء سكان مدينة خان يونس، التي تم تصنيفها كمنطقة قتال، رغم أن معظم المدنيين هناك قد تم تهجيرهم مرارًا، ويعانون من الجوع، وليس لديهم أي مأوى آمن.
“نغزو، نطهّر، ونبقى”
في مؤتمر صحفي، قال سموتريتش إن إدخال “كميات رمزية” من المساعدات يُمكّن الجيش من مواصلة عمليات “الدمار والتهجير” دون ضغوط دولية.
وأضاف:
“الآن نغزو، نطهّر، ونبقى – حتى القضاء على حماس. سكان القطاع سيتم نقلهم جنوبًا، ومن هناك – بمشيئة الله – إلى دول ثالثة، ضمن خطة الرئيس ترامب.”
مشروع مساعدات مثير للجدل
بالتوازي، تخطط إسرائيل لاستبدال شبكات توزيع المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بمراكز توزيع مركزية تحت إشرافها. هذه المراكز ستُدار من قبل مؤسسة مسجلة في سويسرا تُدعى “مؤسسة غزة الإنسانية”، يصفها مسؤولون إسرائيليون بأنها “مبادرة أمريكية”. مدير المؤسسة هو جندي أمريكي سابق يُدعى جيك وودز، وقد صرّح بأن المشروع سيبدأ العمل “قبل نهاية الشهر”، دون توضيح مصدر التمويل.
لكن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية أعلنت رفضها التعامل مع هذه المؤسسة، قائلة إن ارتباطها بالجيش الإسرائيلي يخرق مبادئ الحياد ويعرض العاملين للخطر.
غياب الشفافية حول سرقة المساعدات
رغم مزاعم إسرائيل بأن “حماس تسرق المساعدات”، لم تقدّم السلطات أي أدلة أو بيانات توضح حجم أو طبيعة هذه السرقات. في المقابل، تقول منظمات إنسانية مخضرمة إن سلاسل إمداداتها محكمة ومُراقبة، وتنفي أي ادعاءات بشأن تحويل المساعدات لأغراض عسكرية.
جذور الحرب
اندلعت الحرب بعد أن شنّت حركة حماس هجومًا داخل الأراضي الإسرائيلية أسفر عن مقتل 1,200 شخص، معظمهم مدنيون، واختُطف خلاله نحو 250 شخصًا، لا يزال 58 منهم محتجزين في غزة – يُعتقد أن قرابة الثلثين منهم قد لقوا حتفهم.