في مخيمٍ تكلل ساكنوه بتاج الصّبر الجميل، ودرع اليقين كان خالد، شاب عشريني، يرفع الأذان في مصلى المخيم بصوتٍ يلامس القلوب. خالد جميل الخلق والخُلق، بارّ بوالديه، يحمل كأيّ فلسطينيّ جرحا دفينا ينزف دون توقف، فالعدوّ الصّهيونيّ حوّل أرضه المباركة لركام
في الجهة المقابلة من المخيم، عاشت تمر حناء، فتاة حافظة للقرآن، وتدرّسه للأطفال الصّغار، حجابها السّرمدي وسدالها زادها جمالا وبهاء
خالد سمع عن رفعة أخلاقها، وطيبة قلبها . أعجب بسيرتها الطّيية ولم، فاتجه مباشرة إلى والدها ذات مساء، برفقة والده، ووالدته فطلبا يدها للزواج، فوافقت عائلتها، وكان مهرها آيات من القرآن الكريم
وجاء يوم الزفاف.أرادوه فقط دعاء ومباركة. اشترى خالد بدلة بيضاء قديمة ، وباقة صغيرة من زهر بري وضعها بجوار المصحف ليهديها لعروسه. جهز لكن ما إن علت أصوات التهليل في الزفاف، حتى سقطت القذيفة. صوت الانفجار غطّى على الأذان الذي لم يكتمل. ركض الناس، والدخان يملأ السماء. بحثوا عن خالد، فوجدوه راكعًا تحت الركام، والابتسامة ما زالت على وجهه، وفي يده المصحف والزهر .أيادي الغدر اغتالت خالد وحطّمت حلم تمر حنّاء، التي وقع عليها الخبر كالصّاعقة ذرفت دموع الأسى لكنها لم ترفع صوتها، بل جلست تقرأ له ما تحفظ من سورة “يس”، تهديه ثوابها، وتقول لأمها:
“كان عريس الدنيا، وصار عريس الجنة.”ودفن خالد قرب المصلى، أمّا أمّه فقد أظهرت إيمانا ولازالت تردّد في حياته صدح صوته بالحق ولبّى النّداء، وارتقى بشهادته مع الأنبياء، وجعل أبويه من السّعداء..
الجزائر