احتلت القارة الأفريقية دورًا بارزًا في التأثير على الأمن القومي المصري، ومن ثم فإن اتساع خريطة الفاعلين من الدول المنخرطة في القارة مثل تهديدًا كبيرًا وتقويضا للدور المصري في مواجهة هذه المخاطر، ذلك لما لها من دور في تعزيز الضغوط في ظل تعدد الأجندات الإقليمية والدولية، وهو ما ساهم في تقليل مساحة حركة وتأثير وفاعلية السياسة الخارجية المصرية، وبالإضافة إلى ذلك عملت هذه التدخلات على فرض أعباء فيما يتعلق بالموارد المخصصة لتحقيق المصالح المصرية، ونتيجة لحالة عدم الاستقرار الذي تتميز به بعض الدول العربية داخل القارة الأفريقية ، تزايدت في هذا الإطار مجموعة من التحديات الأمنية، مثل انتشار التنظيمات المتطرفة ومشكلات الهجرة غير الشرعية واللجوء ومن هنا يمكن في هذا البحث تناول الصراعات والازمات الداخلية فى بعض الدول العربية الافريقية وهي الازمة السودانية ،الازمة الليبية ،الازمة التونسية، الازمة الصومالية تم تناول البحث الجهود المصرية فى انهاء الازمات العربية داخل القارة الافريقية.
يتضافر مع ذلك الأسباب السياسية المتعلقة بالعلاقة بين “الخرطوم” و”أديس أبابا” وداخل البلدين. فالخطاب القومي الذي يلقيه الساسة على الجانبين سعيًا إلى توحيد الجبهة الداخلية في مواجهة “العدوان الخارجي”، يمكن أن يؤجج التوترات ويجعل التوصل إلى تسوية أمرًا صعبًا، كما أن تحسن العلاقات بين الجانبين غالبًا ما يؤدي إلى تواري المشكلة الحدودية لحين استدعائها من جديد عند الحاجة كأداة ضغط ومساومة خارجية أو لمواجهة تحديات داخلية بافتعال تلك الأزمة الخارجية فيما يعرف بالإدارة بالأزمات.
كل تلك المفردات كانت سببًا رئيسيًا في تذكية الصراعات الإقليمية وتراجع قدرات مؤسسات الدول الوطنية وخاصةً المؤسسات العسكرية في إعمال شؤونها للتصدي مما أوجد مساحة كبيرة للتدخلات العسكرية الإقليمية والدولية، التي كان لها تأثيرًا سلبيًا في معالجة تلك الصراعات، وكانت سببًا في تراجع مفهوم سيادة الدولة الوطنية.
الصراعات الأثنية: تُعد واحدة من القضايا المهمة في القرن الأفريقي، فهي صراعات تشمل كل دول الإقليم؛ حيث أنها صراعات حاضرة داخل تلك الدول ولها أنماط متعددة منها النزاعات والصراعات الإثنية الانفصالية وأخرى صراعات إثنية وجودية، وصراعات إثنية يحضر فيها البعد القومي وكذلك تلك القائمة على أسس عرقية، تلك التعددية أدت إلى تفاقم الصراعات وتعثر تسويتها لوجود أسباب متجذرة يصعب حلها وشديدة التعقيد.
صراعات الحدود: إن التقسيم الردئ المتعمد وغير المتعمد لحدود الدول الأفريقية أدي إلى كونها مجرد تقسيمات على الأرض ولا تعبر عن الأمة وهو ما فاقم من حدة الصراعات والمطامع في القرن الأفريقي، وارتباطًا بصراعات الموارد والحدود هناك تزاحمًا خارجيًا ومطامع داخلية من جانب دول القرن الإفريقي للسيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية الهامة، في إطار الارتباط الوثيق للمنطقة بطرق الملاحة البحرية والدولية، وبرّزت سياسات داخلية تبرز المطامع للسيطرة على تلك المنافذ مثلما حدث من جانب إثيوبيا ومذكرة التفاهم الأخيرة مع إقليم “أرض الصومال” في إشارة واضحة لتطلع إثيوبيا للوجود على البحر الأحمر عسكريًا وتجاريًا، وهو ما يمثل خرقًا لمبدأ سيادة الدول وسلامتها الإقليمية وبما يؤجج من الصراعات السياسية وأزمات الدول الدبلوماسية، علاوة على ذلك فإن التواجد الدولي لخلق موطأ قدم في القرن الإفريقي سواء العسكري داخل “جيبوتي” والقواعد العسكرية التي تشهدها هذه الدولة وكذلك خطط نقل المعادن الثمينة من تلك المنطقة والموانئ الخاصة بها إلى أقرب الموانئ الآمنة تمهيدًا لدخولها الأسواق الدولية واحدة من بين مواطن تأجج الصراعات المختلفة ويفاقم من التحديات المركبة التي تعاني منها دول هذا الإقليم.
صراعات الجماعات المسلحة: أحد التهديدات التي تواجهها دول إقليم القرن الإفريقي يكمن في النشاط المتزامن للجماعات المسلحة والمتطرفة التي تسعى لإحداث تأثيرات عابرة للحدود الوطنية لها تأثير على الأمن الإقليمي، وفي مقدمتها جماعة الحوثين في اليمن ونشاط “حركة شباب المجاهدين” الصومالية، إلى جانب تنظيم “داعش” الإرهابي، هذه التعددية واحتمالية التقارب والتلاقي بينهما كما هو الحال بالنسبة للتقارب (الحوثي وحركة الشباب الصومالية) من شأنها أن يكون عاملاً مضاعفًا من الاضطرابات وغياب الاستقرار في كافة دول الإقليم وكذلك في منطقة البحر الأحمر، ويساعد إلى تحويل تلك الحركات لمشروع إقليمي.
يعد كل ما سبق بمنزلة استراتيجية مكتملة الأركان، يتم تنفيذها، فى ظل الحرص الشديد على التمسك بتطبيق سياسات «الاتزان الاستراتيجى»، تلك التى تنتهجها الدولة المصرية كمبدأ ثابت، يعد «العلامة الوطنية»للسياسة الخارجية المصرية فى «الجمهورية الجديدة»، وهو مبدأ يتعاظم تأثيره فى كل من التقدير الدولى والإقليمى للدور المصرى فى التفاعل مع قضايا الإقليم والعالم، فى ظل حالة الاستقطاب الدولى والضغوط لتشكيل تحالفات تزيد من تعقيد وتشابكات التفاعلات الدولية بما يطيل أمد الصراعات والأزمات والحروب، بل ويهدد بتوسعها. لذا، ستظل مصر حريصة على مواصلة دورها الرائد فى إطار النظام المتعدد الأطراف كشريك ووسيط يحترمه الجميع،
فى ظل الالتزام الكامل بأحكام القانون الدولى وما صدر من قرارات عن المنظمات الأممية والقارية التى تنتمى لها الدولة المصرية. فمصر حريصة على أن تكون تحركاتها فى ظل الاحترام الكامل لهذه القوانين والقرارات، ولعل هذا الأمر أكسبها مصداقية واحترام الجميع. من ثم، فمن المؤكد أن تستمر مصر فى العمل من خلال المنظمات الدولية والقارية والإقليمية، للدفاع عن مصالحها الوطنية فى المحافل الدولية، بما يكفل تحقيق «المكسب للجميع».
فى سياق ما تقدم، فإن المحور الرئيسى الفرعى الأول من برنامج الحكومة يشمل العمل على تحقيق حماية أمن مصر المائى من خلال تعزيز التعاون الثنائى مع دول حوض النيل والقرن الإفريقى، وعدم التفريط فى حصتها من مياه النيل، التى تمثل شريان الحياة لكل المصريين، من خلال تقليل الفاقد من المياه، وترشيد استخدام مياه الرى، وحماية الموارد المائية من التلوث، فضلًا عن الأمن الغذائى وزيادة المخزون من المحاصيل الاستراتيجية، ورفع جودة المنتجات الزراعية، وتنمية الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية. يَتضمَّن هذا المحور أيضًا أمن الطاقة من حيث تأمين وتنويع موارد الطاقة التقليدية والمتجددة، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة والبنية التحتية، وتطوير شبكات نقل وتوزيع الطاقة, بما فيها الشبكات الإقليمية مع دول الجوار،
مع تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمى للطاقة، وتطوير الثروة المعدنية والبترولية وصناعة البتروكيماويات. يهدف المحور كذلك إلى تعزيز الأمن السيبرانى، والأطر التنظيمية والتشريعية، والتعاون الدولى فى مجال الأمن السيبرانى، فضلًا عن تعزيز القوة الناعمة لمصر، وصورتها الدولية، والأداء المصرى فى مجالات الثقافة والإعلام والاتصال.
ومن منطلق أن الأمن القومي المصري يرتبط بشكل مباشر مع ليبيا غربًا، والسودان جنوبًا، فإن مصر تعزز وجودها العسكري بالاتجاهات الاستراتيجية؛ للتصدي لأخطار الإرهاب، ومنع تسلل العناصر المرتزقة والإرهابية للبلاد، والمساعدة بتأمين ليبيا والسودان من اتجاه مصر؛ حيث لن يكون هدف القواعد العسكرية منوطًا فقط بتأمين الاتجاهات الاستراتيجية الخاص بمصر، بل وتأمين خطوط النقل البحرية والمحافظة على الأمن البحري، باستخدام المجموعات القتالية من الوحدات السطحية والغواصات والمجهود الجوي. تنوع مصر بحقيبتها لمواجهة التهديدات الأمنية، فهي لا تقتصر بتعزيز قواتها العسكرية الدفاعية فقط.
بل تهدف بالمقام الأول للانفتاح العالمي؛ لتحقيق علاقات وتحالفات دولية وإقليمية، بناءً على صفقات اقتصادية مهمة، فقامت مصر بعهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بتوقيع صفقات اقتصادية عديدة ومهمة، وكان من أحدثها وأهمها توقيع اتفاقيتين متتابعتين للربط الكهربائي الأُولى مع اليونان، وتلتها مذكرة تفاهم مع قبرص في أكتوبر الماضي؛ لإنشاء شبكة ربط مباشر لتبادل الكهرباء بين البلدين؛ لتحسين أمن الإمداد بالطاقة، وإنشاء خطوط لنقل كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة المتجددة، وتمثل هذه الخطوة – حسب بيان لوزارة الكهرباء المصرية – تسريعًا بتطوير ممر الطاقة من خلال زيادة إمدادات الطاقة الكهربائية لكلٍّ من مصر وقبرص بتحقيق التوازن بالطلب على الطاقة.
