الإخبارية – أ ش أ
دخلت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران منعطفاً خطيراً على خلفية الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي أعلنها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤخراً والتي وضعت الولايات المتحدة على مسار المواجهة مع إيران، إذ حدد 12 شرطاً للتوصل الى اتفاق جديد مع طهران، مهدداً إياها بـ “أقوى عقوبات في التاريخ” إن لم تبدل سياساتها، ومتوعداً بـ”سحق عملاء” طهران و”حزب الله” اللبناني في العالم.
كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن الجيش الأمريكي سيتخذ كل الخطوات الضرورية لمواجهة ما وصفته بـ “السلوك الإيراني الخبيث” في المنطقة، حيث أكد المتحدث باسم (البنتاجون) الكولونيل روبرت مانينج، أن الجيش لا يزال يدرس ما إذا كان ذلك قد يتضمن إجراءات جديدة أو مضاعفة الإجراءات الحالية.
جاء هذا التصاعد في العلاقات بعدما أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في الثامن من مايو الجاري، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (٥+١)، وذلك في ضوء التغييرات الأخيرة التي أجراها الرئيس في فريقه للسياسة الخارجية بتعيين “مايك بومبيو” في منصب وزير الخارجية خلفًا لـ”ريكس تيلرسون”، و”جون بولتون” في منصب مستشار الأمن القومي خلفًا لـ”هربرت مكماستر”، اللذين يعارضان الاتفاق ويؤيدان الرئيس ضرورة الانسحاب منه.
ويعد خطاب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، هو الأول له حول السياسة الخارجية، الذي اعتبره براين هوك، وهو مسئول في الخارجية الأمريكية، “خريطة طريق” ديبلوماسية في شأن إيران.
تتضمن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة ضغوطا قصوى على طهران متمثلة في ١٢ شرطا لرفع العقوبات عنها وهي: الكشف للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن التفاصيل العسكرية السابقة لبرنامجها النووي، وقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم وعدم إنتاج البلوتونيوم وإغلاق مفاعل المياه الثقيلة (أراك)، السماح لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول غير المشروط إلى جميع المواقع النووية فى البلاد، إنهاء نشر الصواريخ الباليستية والصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية، إطلاق سراح المواطنين الأمريكيين المحتجزين في إيران ومواطني الدول الحليفة الذين اعتقلوا في إيران.
كما تتضمن الشروط الأمريكية: إنهاء دعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، بما فيها حزب الله وحماس وحركة الجهاد الإسلامي، احترام سيادة الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح الميليشيات الشيعية، وقف دعم الميليشيات الحوثية والعمل على تسوية سياسية في اليمن، سحب جميع القوات الإيرانية من سوريا، إنهاء دعم طالبان والإرهابيين الآخرين في أفغانستان والمنطقة وعدم تقديم مأوى لقادة القاعدة، إنهاء دعم فيلق قدس – التابع للحرس الثوري- للإرهابيين عبر العالم، وأخيراً وقف تهديد جيرانها، بما يشمل تهديدها بتدمير إسرائيل والصواريخ التي تستهدف السعودية والإمارات، فضلا عن تهديدها للملاحة الدولية وهجماتها السيبرانية المخربة.
ردود الأفعال الإيرانية والأوروبية
في أول رد فعل من جانبها على الاستراتيجية الأمريكية الجديدة والمطالب الـ 12، هاجم الرئيس الإيراني حسن روحاني الشروط الأمريكية وقال “الولايات المتحدة لا تستطيع أن تقرر ما يجب أن تفعله إيران”، أما وزير الخارجية محمد جواد ظريف فكتب على موقع «تويتر»: “الدبلوماسية الأمريكية الزائفة هي مجرد ارتداد إلى العادات القديمة: إنها رهينة الأوهام والسياسات الفاشلة، ورهينة مصالح خاصة فاسدة، تكرر الخيارات الخاطئة ذاتها، لذلك ستجني النتائج السيئة ذاتها، بينما تعمل إيران مع شركائها من أجل حلول ما بعد خروج أمريكا من الاتفاق النووي”.
في نفس السياق، رفض قائد بالحرس الثوري الإيراني التهديدات الأمريكية بتشديد العقوبات على بلاده قائلا: “إن شعب الجمهورية الإسلامية سيرد بتوجيه لكمة إلى فم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو”.
كان المرشد الإيراني علي خامنئي قد وافق على السماح لطهران بالتفاوض على إنقاذ الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأمريكي منه، لكنه طالب بـ”ضمانات” جدية لبقاء بلاده فيه.
أما الموقف الأوروبي فقد جاء متحفظاً بل منتقداً لهذا التوجه الأمريكي الجديد، وانتظر الاتحاد الأوروبي، وخصوصا محور باريس ولندن وبرلين، خطاب بومبيو الذي وعد بتقديم رؤيته للمرحلة المقبلة، لكن بومبيو لم يمد لهم يد العون، بل طالبهم بـ “دعم” استراتيجية واشنطن.
ومع إدراك بومبيو الصعوبات التي تواجهها الشركات الأوروبية، فقد حذر بشدة الشركات التي ستستمر في القيام بأعمال تجارية في إيران في قطاعات محظورة بموجب العقوبات الأمريكية من أنها “ستتحمل المسئولية”.
ومن جانبها انتقدت فيدريكا موجيريني، مسئولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بشدة النهج المبدئي لبومبيو في سياسته حيال إيران، وقالت إن “حديث الوزير بومبيو لم يوضح كيف جعل الانسحاب من الاتفاق النووي، أو كيف عساه أن يجعل، المنطقة أكثر أمنًا”.
وأعربت موجيريني عن تأييدها لعدم تجميد العلاقات الاقتصادية مع إيران وقالت: “تطبيع التجارة والعلاقات الاقتصادية مع إيران يعني جزءا مهماً من الاتفاق يجب أن يحافظ عليه المجتمع الدولي”.
كما أبدى وزير الخارجية الألماني هايكو ماس عدم تأثره بالتهديدات الأمريكية الجديدة لإيران.. وفي أعقاب اجتماع لوزراء خارجية مجموعة العشرين، علق ماس على خطاب المبادئ الذي ألقاه بومبيو حول استراتيجية بلاده الجديدة حيال إيران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، قائلاً: “بالنسبة لنا، فإن هذه (التهديدات) لم تغير شيئا في الأمر”.
وقال الوزير الألماني المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي: “هذا يمس بشكل مباشر المصالح الأمنية الألمانية والمصالح الأمنية لأوروبا كلها”. ويتوجه هايكو ماس إلى واشنطن اليوم في أول زيارة رسمية له للولايات المتحدة، حيث سيلتقي بومبيو وسيتناول اللقاء الخلاف التجاري مع الولايات المتحدة التي ستبت في فرض عقوبات على وارداتها من الصلب والألومنيوم القادم من الاتحاد الأوروبي بحلول مطلع يونيو المقبل.
ورغم إعلان الولايات المتحدة الأمريكية في السابق فرض عقوبات على الشركات الأوروبية التي تتعاون مع الشركات الإيرانية، فقد أعلنت المفوضية الأوروبية “إطلاق العملية الرسمية لتنشيط إجراءات التعطيل، من خلال تحديث لائحة العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران ضمن نطاقها”، مشيرة إلى قواعد أصدرها الاتحاد الأوروبي عام 1996.. وأن الاتحاد يتعهد الحد من تأثير العقوبات الأمريكية على الشركات الأوروبية، ويتخذ إجراءات للحفاظ على نمو التجارة والعلاقات الاقتصادية بين الاتحاد وإيران، والتي بدأت مع رفع العقوبات.. كما أطلقت المفوضية تدابير تمكن بنك الاستثمار الأوروبي من دعم الاستثمارات الأوروبية في إيران.
تأثيرات متباينة
وفقاً للخبراء والمحللين، ستكون للاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه إيران انعكاسات متعددة، وهي:
أولاً: على الداخل الإيراني: سوف يتراجع التأييد الشعبي لخيار التواصل مع الولايات المتحدة، ما يؤثر على فرص فوز التيار الإصلاحي في الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية القادمة، في مقابل تزايد قوة التيار المتشدد داخل النظام الإيراني، والقبول الشعبي له؛ لرفضه الحوار مع واشنطن، ما قد يدفع طهران إلى تبني سياسات راديكالية على المستويين الداخلي والخارجي، ومنها: إعادة تفعيل برنامجها النووي، واستهداف حلفاء الولايات المتحدة ومصالحهم بالمنطقة، لا سيما مع امتلاك هذا التيار وكلاء وميليشيات مسلحة في عديد من دول الأزمات العربية.
ثانياً: على وحدة الموقف الأوروبي: من المتوقع أن شدة الضغوط الأمريكية على أوروبا قد تسفر عن تباين في مواقف الدول الأوروبية بشأن دعم الاتفاق النووي، وتحاول أوروبا فرض ضغوطها على إيران للتوصل إلى اتفاق جديد يفتح الآفاق في العلاقات مع أمريكا ويقلل من تهديداتها على طهران من جانب، والاتحاد الأوروبي من جانب آخر.
يبقى القول أن الفترة القليلة المقبلة ستشهد استمرار التصاعد في الخطاب السياسي الأمريكي ضد إيران، وتأكيد واشنطن أنها لا تعتزم “إعادة التفاوض” على الاتفاق النووي، ولكنها ستكون على استعداد للتفاوض مع طهران على “اتفاق جديد” أوسع بكثير، وفق الشروط الأمريكية، الأمر الذي يضع العالم على سياسة حافة الهاوية نأمل أن تتجنب المنطقة العربية والشرق الأوسط والعالم ويلات شرورها.