ولا تزال الدروس تتوالي عن نصر أكتوبر 1973، وكيف حقق العرب أول نصر عسكري على الإسرائيليين بعد 25 عاما من إغتصابهم أرض فلسطين في عام 1948 . وأفاض خبراء الإستراتيجية والمحللون السياسيون طوال الـ 45 عاما الماضية في تحديد العناصر التي حققت هذا النصر ، والتي شملت المبادئة والمفاجئة والتوقيت والتخطيط والتدريب والتسليح.. وغيرها .
وهناك العنصر الأهم الذي غفل عنه كثيرون وإعترف به الأعداء ، وقديما قالوا :” الحق ما شهدت به الأعداء”. هذا الإعتراف جاء على لسان ارييل شارون أحد القادة الاسرائيليين في الحرب فقال في حديث للتليفزيون الإسرائيلي :” عرفت وعلمت أن أكبر مفاجاة في هذه الحرب هو الجندي المصري ،فقد كان يتصدى للدبابة بصدره، ساعتها فقط أحسست بالخطر علي إسرائيل .. ويجب على مراكز الأبحاث دراسة هذه المفاجأة لنعرف كيف نواجهها “.
وكان يجب علينا أن نقف طويلا عند مقولة شارون ، فقد حدد الخطر الحقيقي على إسرائيل وهو الإنسان المصري .ولم يذكر أي نوع من الأسلحة سواء كانت نووية أو كيماوية أو إلكترونية. وجاء هذا التحديد بعد دراسة علمية وممارسة عملية فقد كان أحد قادة الحرب الميدانيين في سيناء ، وقائد ثغرة الدفرسوار التي نفذها في 15 اكتوبر 1973. والأهم أنه تحدث عن كيفية مواجهة
هذا الخطر الذي وصفه بـ ( المفاجأة) ، مؤكدا أن المواجهة يجب أن تكون علمية ومدروسة وتعدها مراكز الأبحاث والدراسات.
وبالفعل بمجرد أن صمتت الأسلحة على جبهات القتال ، نشطت مراكز الأبحاث في كل دول المعسكر المعادي لتحدد الصفات الشخصية للإنسان المصري الذي مكنته في تحويل الهزيمة الساحقة في يونيو 1967 إلى نصر كبير في اكتوبر 1973 خلال 6 سنوات ، وكيفية تحطيمها .
ووضعت مراكز الأبحاث الغربية بعد عامين من الدراسة خطط للقضاء على كل عناصر النصر المصري العربي ، ونشرتها في تقرير بعنوان
(1975). وحدد لإضعاف الانسان المصري المقاتل خطة عاجلة واخرى طويلة المدى . وتتمثل العاجلة في تشجيع الشباب على العمل في دول النفط التي تبنت بعد زيادة أسعاره بسبب الحرب خطط تنموية طموحة فتزايد طلبها للعمالة المصرية. ووفقا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء بدأت هجرة الشباب المصري للعمل بالخليج بحوالى 70 ألف شاب ثم تزايدت سريعا لتصل إلى 1.4مليون عام 1976 بعد إلغاء كل القيود على هجرة المهنيين والفنيين والحرفيين المهرة. وإستمرت الزيادة في معدلات الهجرة لتتضاعف خلال 20 عاما ، ووفقا للإحصائيات الرسمية عام 1996 بلغت 2.8 مليون. أما الإحصائيات غير الرسمية فتشير الى ان العاملين المصريين بالخارج أكثر من 5 ملايين . ويكشف الواقع ان الشاب المغترب تستنفذ قواه خارج بلاده ويعود غير قادر على العمل ، وفي غالب الأحيان لا يمكنه التكيف مع التغيرات التي طرأت على المجتمع .
أما الخطة طويلة المدى فتتمثل في إضعاف الإنسان المصري منذ مرحلة الطفولة وإستعانوا على ذلك بقول مشهور لأحد المستشرقين: ” إذا أردت أن تهدم حضارة أمه فهناك 3 وسائل هي : هدم اﻷسرة بتغييب دور اﻷم بجعلها تخجل من وصفها بربة بيت ،وهدم التعليم بالتقليل من أهمية المعلم في المجتمع حتى يحتقره طلابه ، وإسقاط القدوة والمرجعيات بالطعن في العلماء والمفكرين ورموز المحتمع والتقليل من شأنهم حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد “.
وبالنظر الى واقعنا نجد أن الأعداء نجحوا في خططهم ، فماذا نحن فاعلون ؟!.