ذكرنا في مقالنا السابق ــ أن عبدالناصر كان عدواً للماركسية ضد أفكارها وتوجهاتها. ولكن لمصالح مصر اتجه إلي الاتحاد السوفيتي لتسليح الجيش المصري.. بعد الثورة وبعد لجوئه إلي أمريكا التي أرادت فرض شروط الخنوع والذل والعار والإذعان علي مصر منها: التفتيش علي الجيش المصري وعقد معاهدة سلام مع العدو الصهيوني فرفض عبدالناصر تلك الشروط.
إن من يقرأ مذكرات د.مراد غالب سفير مصر في الاتحاد السوفيتي في عهد عبدالناصر يجد كيف كان يتعامل عبدالناصر بندية كاملة وليس بتبعية وتابعاً لسياسات الاتحاد السوفيتي “الشيوعي” في شيء ــ فما أسوأ التبعية التي تذل الشعوب! ــ لذلك قدَّر واحترم قادة الاتحاد السوفيتي عبدالناصر مقرين باستقلال قراره الموافق والمناسب لمصالح مصر.
وللتاريخ عندما تخلت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بريطانيا والبنك الدولي عن تمويل بناء السد العالي بحجة أن اقتصاد مصر ضعيف لا يمكنه سداد تكاليف هذا المشروع الضخم هنا لجأ عبدالناصر إلي الاتحاد السوفيتي الذي تكفل ببناء السد العالي بتكلفة “300” ثلاثمائة مليون دولار بطريقة “الصفقات المتكافئة” بين مصر والاتحاد السوفيتي فلم تدفع مصر دولاراً واحداً للاتحاد السوفيتي بل أعطته القطن والمنسوجات القطنية من مصانع المحلة. والبرتقال والأحذية والأثاث من مصانع دمياط. وبني السد العالي ذلك المشروع الذي اختارته الأمم المتحدة أعظم مشروع تنموي هندسي في القرن العشرين متفوقاً علي مئة وعشرين مشروعاً تنموياً في العالم. ذلك المشروع الذي نقل مصر نقلة حضارية واقتصادية وصناعية وعلمية.
ورغم بناء المصانع الثقيلة وآلاف المدارس والمستشفيات والجامعات. وبناء السد العالي. واستصلاح الأراضي لم تكن مصر مديونة لأي دولة في العالم حتي توفي عبدالناصر عام 1970 إلا للاتحاد السوفيتي بمليار دولار وكان هذا لأن عبدالناصر عندما أراد بناء الجيش المصري بعد نكسة 1967.
وعقد صفقات السلاح مع الاتحاد السوفيتي بمنهج الصفقات المتكافئة أيضاً ولكن تبقي مليار دولار للاتحاد السوفيتي وقت وفاة عبدالناصر ــ مع التذكير بأن الجنيه المصري كان يساوي ثلاثة دولارات تقريباً ــ نجد الاتحاد السوفيتي يتنازل عن ذلك المليار دولار تقديراً لعبدالناصر وهذا ما ذكره المفكر الاقتصادي د.علي الجريتلي في كتابه “ديون مصر” وكان محور مؤتمر عقدته جمعية الاقتصاد السياسي والتشريع في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي.
ليس هدفنا أن نذكر مواقف عبدالناصر نحو قضايا المسلمين في العالم فحسب. ولكن أيضاً ليعرف من لا يعرف أن مصر لها دورها العظيم الرائد للعالم الإسلامي السني فهذا قدرها اختصها الله بها فعندما تقوم مصر بدورها القائد فهذا علامة قوة لها ثم زيادة لها في قوتها!
لقد كان عبدالناصر مشغولاً ومهتماً بأمر المسلمين وقضاياهم في أي مكان في العالم. فكان يستغل صداقته برئيس الوزراء الهندي الزعيم “نهرو” في حل مشكلات مسلمي الهند عندما تبرز عنصرية الأكثرية الهندية سواء أكانت من الهندوس أم السيخ ضد المسلمين.
أيضاً استغل عبدالناصر صداقته بالزعيم اليوغسلافي “تيتو” في حل مشكلات مسلمي يوغسلافيا وإرسال آلاف النسخ إليهم من “المصحف الشريف” ومعاني القرآن الكريم.