وأنا صغير كنت أخرج أنا وأصحابي إلى الحقول المحيطة بقريتنا ( دماص) بمحافظة الدقهلية ، للنزهة ، والاستمتاع بالهواء النقي ، والمناظر الخلابة، والشمس المشرقة ، وكانت حواف الترع والجداول حافلة بأشجار التوت والجميز ، فكنا نأكل منها كما نشاء ، لا يعترضنا أحد ، فقد كانت ملكا عاما للجميع .
وكانت أشجار التوت متنوعة ، تثمر التوت الأبيض والأسود والأحمر وخد الجميل ، كان طعمها لذيذا حلوا ، وكان ظلها وارفا ، وكنا نجمع بعض أوراق التوت نربي عليها دود القز ، ونتابعها يوما بعد يوم وهى تنسج الحرير ، وكنا نأكل ونشرب من طلنبات المياه المنتشرة في كل مكان ، ونلعب ونلهو ونستمتع بأوقاتنا ، دون أن نكلف الأهل قليلا أو كثيرا .
لماذا لا نعود إلى زراعة الأشجار المثمرة مثل النخيل والتوت والجميز على ضفاف النيل والترع والجداول صدقة جارية ، يستظل بها المارة والمسافرون ، ويأكل منها الفقراء والمساكين ، والطير ، ونسمع من بين أغصانها زقزقة العصافير التي تطرب لها النفس ، ويستمتع بمنظرها الجميل الغني والفقير ، بدلا من زراعة الأشجار الخشبية مثل الكافور والجازورين ، وبدلا من أشجار الزينة مثل الفيكس ، وهى أشجار غير مثمرة .
لقد زرع لنا الأجداد هذه الأشجار العتيقة المثمرة التي ننتفع بها اليوم ، ومن الواجب علينا أن نزرع مثلها لأبنائنا وأحفادنا ، لينتفعوا بها ، ولا أطلب من الدولة غرس هذه الأشجار ، فالدولة مثقلة بالهموم ، ولكن أطلب من نفسي ومن كل مصري أن يغرس شجرة مثمرة لوجه الله تعالى ، صدقة جارية ، ومساهمة يسيرة في تجميل وجه مصر العظيمة .
أخصائي الباطنة بمستشفى الفيوم العام
كاتب وباحث