طمأن وزراء المال وحكام المصارف المركزية في دول مجموعة العشرين الغنية والناشئة في ختام اجتماعاتهم في موسكو أمس، أن «لا حرب عملات». وأرجأوا إعلان خطط لوضع أهداف جديدة لخفض الديون، ما يثير القلق في شأن وضع الاقتصاد العالمي الهشّ. ولم يَرِدْ في بيان صناع السياسات المالية أي انتقاد للسياسية النقدية الميسرة التي تنتهجها اليابان والتي دفعت الين إلى الانخفاض.
وتوافق بيان وزراء المال ومحافظي البنوك المركزية، مع بيان أصدرته مجموعة الدول السبع الثلاثاء الـماضي، يؤيد أسعار صرف تحددها قوى السوق. والتزمت النسخة النهائية لمجموعة العشرين «عدم الدخول في سباق لخفض أسعار العملات»، ورأت ضرورة أن «تستهدف السياسة النقدية استقرار الأسعار وتحقيق النمو».
وأعلن وزير المال الكندي جيم فلاهرتي، أن «اللغة تعززت بعد مناقشاتنا الليلة الماضية، فهي أقوى مما كانت عليه، لكن رغبة جميع المشاركين كانت واضحة لتجنب أي نزاعات تتصل بالعملة».
وأعلن وزير المال البريطاني جورج أوزبورن، أن «على العالم ألا يرتكب خطأ استخدام العملات، على اعتبارها أداة حرب اقتصادية».
وأكد وزير المال الفرنسي بيير موسكوفيشي، الاتفاق على «رفض الدخول في أي حرب عملات». ورأى أن «بيان مجموعة السبع نجم عنه تأثير إيجابي، وستؤكد مجموعة العشرين ذلك». وتضمّن البيان أيضاً التزام استراتيجية مالية للأمد المتوسط.
ويحلّ أجل اتفاق لخفض الديون هذه السنة، كان اتخذ في تورونتو عام 2010، في حال لم يتفق القادة على تمديده في قمة تجمع زعماء مجموعة العشرين في أيلول (سبتمبر) المقبل في مدينة سان بطرسبرغ الروسية. وتوقع مفوض الشؤون الاقتصادية والنقدية في الاتحاد الأوروبي أولي رين، «الاتفاق على أهداف ملموسة» تتعلق بالديون في هذه القمة. وأشار في تصريح إلى وكالة «رويترز»، إلى «وجود رؤية مشتركة حول الحاجة إلى تبني خطط معقولة متوسطة الأمد، لتعزيز الأوضاع المالية»، وأشار إلى أن الدين العام في أوروبا «بلغ نحو 90 في المئة من الناتج المحلي، وفي اليابان التي تريد حفز اقتصادها الراكد تجاوز الدين العام 200 في المئة من الناتج المحلي».
التعافي الاقتصادي
ويتماشى تأييد البيان، لاستخدام السياسة النقدية المحلية لدعم التعافي الاقتصادي، مع التزام مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي (البنك المركزي)، الحفز النقدي عبر التيسير الكمي لتعزيز الانتعاش الاقتصادي وفرص العمل. ويشمل التيسير الكمي شراء سندات طويلة الأجل بقيمة 85 بليون دولار شهرياً في حالة مجلس الاحتياط لمساعدة النمو الاقتصادي. لكن جزءاً كبيراً من تلك السيولة تسرّب إلى الأسواق الناشئة ما يهدد بزعزعة استقرارها.
وواجه البيان ذلك، بالتزام تقليص «الآثار السلبية» للتدفقات المالية الناتجة إلى أقل مستوى ممكن، إذ تخشى الأسواق الناشئة من أن تسبّب هذه التدفقات في تضخم فقاعات الأصول، وأن تؤثر سلباً في القدرة التنافسية لصادراتها.
وشدد نائب وزير المال الصيني تشو جوانجياو، في تصريح نقلته وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) على ضرورة أن «الدول المتقدمة الكبرى لتداعيات سياستها النقدية». واعتبر أن «تنفيذ الدول المتقدمة الكبرى لسياسة لينة جداً في شأن العملة يؤثر في الاقتصاد العالمي».
وأعلنت روسيا، التي ترأس مجموعة العشرين هذه السنة، «عدم التوصل إلى اتفاق في شأن مستويات عجز الموازنة على الأمد المتوسط». ولم تخفِ قلقها من «السياسات الفضفاضة جداً»، التي رأت مع بعض الاقتصادات الناشئة الكبرى «إمكان تسببها بمشاكل لاحقاً».
وأكد وزير المال الروسي أنتون سيلوانوف، أن إعادة التوازن إلى النمو العالمي «تتطلب أكثر من مجرد تعديل سعر الصرف».
وعن العملات، أكد بيان مجموعة العشرين مجدداً، التزامها السابق في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، «التحرك نحو تحقيق المرونة في سعر الصرف بما ينسجم مع العوامل الأساسية، وتجنب أي اختلال مزمن في سعر الصرف».
ولفت إلى «إمكان تأثير التحركات العشوائية لأسعار الصرف والتقلبات الشديدة في التدفقات المالية، سلباً على الاستقرار الاقتصادي والمالي».
إلى ذلك، أطلقت حكومات بريطانيا وفرنسا وألمانيا مبادرة أمس، لاتخاذ إجراءات صارمة في حق الشركات المتعددة الجنسية المتهرّبة من الضرائب، على أن تقدّم في اجتماع وزراء مال دول مجموعة العشرين في تموز (يوليو) المقبل.
فوجئ العالم قبل 3 أيام ببيان هزيل لمجموعة العشرين غابت عنه توقعات المحللين حول خطوات اصلاح ما افسدته الازمة المالية في سبتمبر ,2008 وبدلا من ذلك فجر البيان مفاجأة من العيار الثقيل بتحذيره من حرب عملات مقبلة لينقل الاهتمام من 3 مشاكل جوهرية الى ازمة نقدية جديدة:
1-كيفية علاج أزمة الديون على ضفتي الاطلسي، سواء ديون منطقة اليورو في اليونان واسبانيا وايطاليا والبرتغال وكذا بلوغ اجمالي الديون الاميركية سقفا غير مسبوق فوق الـ 16 تريليون دولار.
2-استمرار تراجع اجمالي الناتج المحلي وعدم قدرة الاقتصادات المتقدمة على الخروج من تداعيات ازمة سبتمبر .2008
3-تراجع حجم الاستثمارات وارتفاع معدلات البطالة والتضخم وكلها افرازات لاستمرار تداعيات الازمة المالية.
بدلا من ذلك بدأ العالم فتح ملف “حرب العملات” على مصراعيه بحثا عن اسراره وتداعياته ومستقبله، فيما سيظل -كالعادة -المشهد غائبا على صعيد الاقتصادات الناشئة، وقد لا نستغرب صدور جملة من التصريحات تقول “نحن بعيدون عن تداعيات حرب العملات”.
نظرة تاريخية
حرب العملات ارتبطت بالنظام النقدي منذ اطلاقه قبل 1931 حتى اتفاقية بريتون وودز في 1944 حيث تأسس نظام الصرف الاجنبي بإنشاء صندوق النقد الدولي، وكان تم تثبيت نظام صرف العملات بنسبة تذبذب لم تتجاوز 1% للعملات والذهب ومع توسع التجارة الخارجية واشتعال المنافسة بين الدول بدأت قيمة العملات تلعب دورا مؤثرا وفاعلا في الاقتصاد العالمي.
وتعريف مفردة “حرب العملات” يلخص الرؤية المتوقعة للفترة المقبلة حيث يتمثل في “اعتماد دولة ما على قوتها الاقتصادية للتأثير على قوة اقتصادية لدولة او دول اخرى بالعمل على تراجع حجم ثرواتها باستخدام السياسة النقدية من اجل تحقيق هدف محدد” ويأتي ذلك من خلال خفض قيمة العملة الوطنية لدعم صادراتها او دعم الصادرات بوسائل اخرى ومع تراجع اسعار منتجاتها “صادراتها” تنتشر الاخيرة حول العالم وهو ما يصب لمصلحة الدولة التي قامت بمثل هذه الاجراءات.
وحسب محللين في مركز “ICN” “فاينانيشال ماركتس” فان تدخلات الدول لم تظهر بقوة ووضوح الا في القرن الحالي وبالتحديد في 2003 حين قام المركزي الياباني كبائع تدريجي للعملة الوطنية “الين” وهو ما تسبب في تراجع قيمته بذريعة الحفاظ على سعر العملة الاميركية.
واخيرا اشتد الجدل والذي اضطرت مجموعة العشرين لتضمين حرب العملات في بيانها الاخير حول التدخل الياباني لأضعاف الين تعد المرة الاولى منذ احداث 2003 ومرورا بانتقادات برازيلية في 2010 للسياسات النقدية التي ابتدعتها اميركا وبريطانيا في وقت اشتدت فيه الخلافات بين بكين وواشنطن حول تراجع سعر اليوان الصيني.
وان كان وزير المالية البريطاني جورج اوزبورن حذر من مخاطر مرتقبة بقوله “على العالم الا يرتكب خطأ استخدام العملات على انها اداة حرب اقتصادية فان صندوق النقد الدولي عراب السياسة النقدية في العالم ومهندسها الاول كان له رأي مخالف من خلال تصريح كريستين لاغارد والتي قالت انها مجرد مخاوف ولا ترقى الى “حرب عملات”.
ورغم المخاوف على حد تعبير لاغارد، او التحذير حسب اوزبورن الا ان هناك شبه اتفاق على خيار خفض العملات كحل وقتي-على الاقل-لتنشيط النمو الاقتصادي وقد لا يتأتى ذلك من خلال طرح كميات من العملة للبيع، بل من خلال سياسات التيسير الكمي اي بطباعة المزيد من اوراق العملة. ومن المؤكد ان النماذج اليابانية والصينية احدثت بالفعل طفرات اقتصادية عن طريق زيادة حجم الصادرات ومداخيلها وتحقيق فوائض عالية في موازن المدفوعات الا ان اكبر التداعيات سيكمن في عدم قدرة منتجات الدول الناشئة على المنافسة وقد يجد المستهلك منتجا من دولة متقدمة يقل سعره عن نظيره لدولة ناشئة.
والسؤال الحائر والمحير هل وقفت حدود حرب العملات على احداث تاريخية نسبت الى اليابان تارة او الصين تارة اخرى او ارتبطت بالهجوم البرازيلي الحاد في 2010? الحقيقة المرة ان العالم منذ اندلاع الازمة المالية يعيش رحى حرب العملات حين لجأت الدول المتقدمة الى معدل الفائدة الصفري او 0.25% وكحد اقصى 1%كوسيلة لوقف المزيد من التداعيات وهو ما يخفض سوق العرض على عملاتها من جهة والاستفادة بتصريف الصادرات خصوصا الى الدول الناشئة والتي ستكون ضحية لهذه الحرب.
وحال إطلاق المزيد من وسائل التيسير الكمي بطباعة الاوراق النقدية فان حصاد ذلك يتمثل في تكريس نمو ظاهرة “الاموال الساخنة” حيث يتم نقل تلك الاموال والتي لا يمثل معدل الفائدة عليها أكثر من ربع نقطة مئوية سنويا الى اسواق تشهد فيها تلك العملات ارتفاعا لإعادة.
هوامش:
(1) اتفاقية بريتون وودز “Bretton woods” هو الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي الذي عقد من 1 الى 22 يوليو 1944 في غابات بريتون في نيوهامبشر الاميركية بحضور ممثلين لـ 44 دولة بغرض ضبط النظام النقدي العالمي.
دكتور القانون العام ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان