في نوفمبر عام ١٨٩٦ وصل إلى بيروت الشاب الأوكراني أغاتانغل كريمسكي وكان يبلغ 25 من عمره ، في منحة من مجلس عمداء “معهد لازاريف للغات الشرقيّة” في موسكو، لإنهاء الشقّ العملي في رسالة ماجستير له حول اللهجات الشامية. وإستقرّ في منطقة الرميل البيروتية عند أسرة أرثوذكسية لتعلم اللغة العربية وذلك بعد تخرجه من كلية التاريخ والدراسات اللغوية في جامعة موسكو في نفس العام.
واستقر في لبنان عامان ساهمت في تغيير مجرى حياته بسبب إقترابه من حياة المسلمين ، وقد اهتم كريمسكي بدراسة اللغة العربية في المقام الأول فتعلم العربية الفصحى سريعاً ثم أخذ يبحث في التاريخ العربي والإسلامي والدراسات القرآنية وساعده في ذلك إتقانه 16 لغة بجانب العربية لأنه كان متخرجا فى عام 1892 من معهد لازاريفسكي للغات الشرقية بموسكو.
وبعد عودته عمل مدرسا في معهد لازاريفسكي للغات الشرقية بموسكو وواصل بحوثه في التاريخ العربي والإسلامي وفي اللغة العربية وآدابها وفي الدراسات القرآنية حتى حصل على لقب بروفيسور. ولم يكتف كريمسكي بالدراسات النظرية ولكنه زار تركيا وعدد من الدول العربية لدراسة واقع المسلمين.
ساهمت كتابات كريمسكي ومحاضراته في تصحيح كثير من الأفكار الخاطئة عن الإسلام والمسلمين وفي نشر الإسلام واللغة العربية في الكثير من دول الإتحاد السوفيتي خاصة في أوكرانيا ، وصحح كثير من المغالطات في الترجمات الروسية للقرأن الكريم مما أهله للحصول على لقب ” أبو التاريخ الإسلامي في أوكرانيا “. ويقول الدكتور عبد الله بن إبراهيم العسكر أن الأديب الروسي العالم الشهير تولستوي درس الإسلام في مصنفات كريمسكي ألف كتاب مما دفعه لكتابة كتابه القيم ( حكم النبي محمد ) . وأكد العسكر على موضوعية كتابات كريمسكي عن الإسلام والعرب بقوله :” من تجربتي أميل إلى الاستشراق الروسي لأنه أكثر موضوعية من نظيرة الغربي، ويتميز بغياب النزعة الاستعمارية “.
وتقول المستشرقة الأوكرانية يانا كوروبكو ممثلة منظمة اليونسكو في كل من باريس وكييف : ” البروفيسور كريمسكي هو أول من أسس مدرسة لعلم الاستشراق بأوكرانيا في بدايات القرن العشرين وأن سلطات الإتحاد السوفياتي الشيوعي منعت الدين تعلما وممارسة، ونفت كريمسكي وأغلقت مدرسته بعد أن فشلت في تسخيرها لإعداد مخبرين ودبلوماسيين “.
ويقول الكاتب اللبناني عماد الدين رائف :” كريمسكي يحظى باحترام كبير لدى الأمة الأوكرانية، ويعتبر رائد الاستشراق فيها. وترجم ذلك الاحترام بتسمية العديد من الشوارع والساحات العامّة والمؤسّسات العلميّة والتعليميّة، باسمه، وتجد تماثيله في مختلف الأماكن “.
أصدر كريمسكي مؤلفات كثيرة باللغات الروسية والأوكرانية والعربية أهمها : تاريخ الإسلام في ثلاثة مجلدات، العالم الإسلامي ومستقبله، ومحاضرات حول القرآن الكريم، وتاريخ العرب والأدب العربي في ثلاثة مجلدات، وتاريخ الأدب العربي الحديث، وتاريخ فارس وآدابها وحكمة الدروشة الصوفيّة في ثلاثة مجلدات، وتاريخ تركيا وآدابها.
قامت منظمة اليونيسكو العالمية بتكريم كريمسكي بعد وفاته بحوالي 30 عاما بضم تاريخ ميلاده إلى روزنامة مشاهير العلماء والكتّاب العالميين في عام ١٩٧١، في ذكرى المئوية الأولى على ولادته. وتسببت في إحراج السلطات السوفياتية، بإعداد جزء من أعماله للنشر، والتي ظهرت في خمسة أجزاء بين العامين ١٩٧٣ و١٩٧٤.
تعرض كريمسكي ( المولود في أوكرانيا عام 1871 ) لمطاردة السلطات الشيوعية السوفيتية منذ قيام الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 . وفي عام 1941 تم اعتقاله بدون توجيه أية تهمة إليه وتم نفيه إلى كازاخستان حيث توفي 1942 بعد فترة نفي قصيرة . ولم تعرف عائلته مصيره على مدى خمسين عاما تقريبا.
رحم الله كريمسكي فقد أكد كثير من المستشرقين الغربيين أنه إعتنق الإسلام بعد دراسة عميقة .