خرج المذيع عن حدود مهنته وبدلًا من البحث عن الخبر والتحقق من صحته أو ملاحقة التقارير الصحفية حول الخبر أو السعي وراء المتخصصين الذين يشبعون نهم المشاهد الى معرفة المزيد عما يشغله من أخبار وأحداث آنية، سواء أكانت ثقافية أو حياتية ــ أقول خرج المذيع عن حدود مهنته ليجعل من نفسه مُنّظرا ومفكرا يتجلى على الجماهير ليمنحهم من علمه ومواهبه الفكرية وعبقريته التي هم في أشد الحاجة إليها، حتى أصبح من المألوف أن يتحدث هذا المذيع في بداية برنامجه ما يتجاوز النصف ساعة مقدما رؤى ذاتية تخصه، ثم ينتقل بعد ذلك إلى قضايا أخرى مع ضيوفه الذين ينتظرون انتهاء وصلته الإذاعية في حجرة الانتظار ،فإذا ما استقبلهم لم يسألهم عما تحدث عنه أو فيه لأن كلامه هو الكلمة الأخيرة ويتحدث في موضوع مختلف .
الطريف أن هذه العدوى سرت في كثير ممن يقدمون البرامج في الفضائيات وأصبح من لا يلقي علينا تعاليمه وأفكاره يشعر بنقص بالنسبة لزملائه فيضطر حتى أولئك الذين لايجيدون الكلام أن يشاركوا في هذه الهوجة التي لا ندري متى تنتهي.
فإذا عرفنا أن كثيرا من المذيعين لم يجلس المجلس الذي يجلسه ليلقي علينا تجلياته بسبب مواهب يملكها وإنما أتت إليه بأسباب لاعلاقة لها بالملكات والقدرات الثقافية والإبداعية في الاعلام وقد سرى هذا المرض وانتشر حتى لم يعد يخجل المذيع من جهله بل يفرضه على الآخرين دون خجل أوخوف من سخريتهم من هذا الجهل.
وإذا عرفنا أيضا أنه رغم الجهل ورغم غياب الملكات لم يسع المذيع أو القائمين على القناة بالتعلم وتطوير النفس أثناء عملية العمل حتى يدرك هذا المذيع الخطر الذي تحدثه جملة أو كلمة فيصبح ذا ثقافة تحميه من أن يكون “مدبا” إن صح التعبير فيقول ما يريد بلغة لا يؤاخذه أحد عليها ولا تجرح أحدًا .
لكنه للأسف الشديد فإن جهل أكثر العاملين في البرامج الحوارية مع تضخم ذواتهم وشعورهم بالعبقرية والفوقية جعلهم يضرون ولا ينفعون فيما يتصدون له من القضايا.
أما الحل ـ من وجهة نظري ـ فيتمثل في أمرين أولهما وهو الأسرع :عودة المذيع إلى حدود مهنته التي تدور حول الأسئلة والأسئلة فقط بشرط أن يجتهد في هذه المسئولية اجتهادا يحمينا نحن المشاهدين من الغثيان الذي نشعر به من طريقة طرح البعض لأسئلتهم .
أما الحل الثاني وهو يحتاج إلى وقت ويتم بعد أن يعود المذيع إلى حجمه الحقيقي ويدرك أنه قائم بالاتصال كما يسميه المتخصصون في الإعلام فتقوم المؤسسه التابع لها بتعليمه وتثقيفه في دورات تدريبية مستمرة على أن توضع له البرامج التثقيفية يقرأ من خلالها كتبا يقترحها القائمون على هذا العمل من المتخصصين من شأن هذه الكتب أن تمنحه ثقافة سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية تعينه على أداء عمله كما تعوده على القراءة المستمرة التي نضع يده على كل جديد.
فهل نفعل؟