ما أقسى أن تأتيك الطعنات من يد كنت تمسح بها دموعهم، ومن قلب كان لهم الملجأ حين ضاقت بهم الحياة!.
ما أشد الألم حين تكتشف أن من كانوا يجلسون إلى جوارك على مائدة الود، قد أداروا ظهورهم حين شبعت قلوبهم، وانتهت مصالحهم، بل وأكثر من ذلك، غرسوا في ظهرك خنجر الغدر، ثم مضوا يتفاخرون بجريمتهم، وكأن الوفاء جرم يستحق العقاب، وكأن العطاء ذنب لا يغتفر.
كنت لهم الوطن حين شردتهم الأيام، والسند حين خذلتهم الحياة، والنبض الحي في أوقات مواتهم.
كنت النور الذي بدد عتمتهم، كنت اليد التي امتدت لتنتشلهم من وهدة السقوط، كنت العطاء بلا حساب، كنت لهم حين لم يكن لهم أحد.
وحين استقامت ظهورهم، لم يتذكروا يدك التي رفعتهم، بل اجتهدوا في كسرها، وكأنهم يثأرون لفضل أثقل كواهلهم.
لم يكتفوا باستنفاذك او استغلالك، بل سطوا على الثقة، نهبوا راحة البال، واستباحوا نقاء اللحظات التي كنت تظنها صافية.
ثم وكأن الجريمة لا تكتمل إلا بمسرحية رديئة، راحوا ينسجون الأكاذيب، يشوهون صورتك، يختلقون الحكايات، يرسمون لك وجها لم يكن لك يوما، وكأنهم لم يكتفوا بخيانتك، بل أرادوا إغراقك في مستنقع افتراءاتهم، علهم يغسلون به سوءاتهم.
لكن… هيهات! فالأيام دول، والحق لا يطمس، والوجوه الزائفة لا تصمد طويلا أمام وهج الحقيقة.
قد يخدع الناس لبعض الوقت، لكن الله لا يخدع، والتاريخ لا ينسى، والضمائر إن بقيت لديهم ضمائر، ستظل تؤرقهم، ولو بعد حين.
فقد قيل: “لا تخدعنك دموع التماسيح، فليست كل يد تمتد إليك مصافحة صادقة”.
وسيعلم الذين غدروا أي منقلبٍ ينقلبون.
أما أنت، فستبقى كما كنت، جبلا لا تهزه الرياح، نقيا رغم قذارتهم، معطاء رغم أنانيتهم، صادقا رغم كذبهم.
لن يلوثوك، ولن ينقصوا منك شيئا، بل كانوا وقودا أضاء لك درب الحكمة، ومرآة عكست لك زيف الأقنعة التي كنت تظنها وجوها.
فالعطاء لا يهدر، وإنما يختبر، والذهب لا يفقد بريقه مهما تكاثف عليه الغبار، والزيف لا يصمد طويلا أمام فيض النقاء.
فلا تحزن… بل انهض، ابتسم، وامضِ مرفوع الرأس.
لا تقف عند طعناتهم، بل اجعلها سيفا يشق لك طريقا نحو مجد جديد.
فالنور لا يخشى الظلام، والشمس لا تحجبها سحب الزيف، وستظل عاليا حيث لا تصل أيدي الناكرين.