الآن أصبح تطوير التعليم ضرورة لا مناص عنها؛ فقد تغيرت خصائص المتعلم الذي ظل متلقيًا إلى أن حدثت الطفرة التقنية التي حولته من مربع الحفظ والاستظهار والاسترجاع إلى مساحة الابتكار غير المحدود في ظل تنامي تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي أضحت فرض عين في مجالات الحياة بأسرها؛ ومن ثم أضحى المتعلم مهيأ لاكتساب نمط من الخبرات جديد بالنسبة لنا مألوف بالنسبة له؛ حيث بات انغماسه في تلك التطبيقات على مدار الساعة ينتج من خلالها ما يصعب تخيله.
والمطالع لخصائص أجيال ألفا وبيتا يتأكد من شغفها المتناهي واهتمامها الفائق بتطبيقات التقنيات الرقمية، بل وتوظيفها المبهر لإمكانياتها ناهيك عن العمل على إدخال تعديلات عليها من قبل شباب يحملون مقومات الابتكار؛ ومن ثم يتوجب أن نعمل على تطوير نظمنا التعليم كي تتواكب مع التغيرات الجارفة لخبرات التعلم الجديدة بمجالاتها المستحدثة.
وكلمة فخامة الرئيس بمناسبة اليوم العالمي للتعليم تشير بوضوح إلى توجه الدولة المصرية ومؤسساته الوطنية المعنية بالنظم التعليمية إلى العمل بكل جد واجتهاد تجاه خلق بيئة تعليمية فاعلية ومجهزة حاضنة للمتعلم محفزة ودافعة لمزيد من الرغبة في الحصول على خبرات متجددة، تحثه وترغبه في أن يمارس النشاط البحثي، ويتطلع للكشف والتعرف عن كل ما يتصف بالجدة، وتنمو لديه مقومات الفضول العقلي الناتج عن تفكير عميق حيال ما يتعرض له من متغيرات وقضايا بمحتوى التعلم في ثيابه الجديد الذي يتناغم ويتسق مع التطور المتسارع في شتى المجالات.
إن رسالة الرئيس التي تؤكد على ضرورة أن نعمل بكل جهد لتطوير مسار العملية التعليمية في كافة مراحلها، ومواكبة التطور المستمر، تستوجب منا أن نهتم بتطوير المحتوى التعليمي المتضمن بمناهجنا الدراسية بتنوع السلم التعليمي؛ فنضطلع إلى رؤية مستقبلية لهذا التطوير، لتشمل في طياتها دون مواربة كافة المهارات المتقدمة التي يتوجب أن يمارسها أبناؤنا المتعلمون؛ حيث تمكنهم من البحث والاستقصاء والاستنتاج وعمق قراءة وملاحظة التفاصيل وسبر للتفكير بما يؤدى لمزيد من الإنتاجية.
واعتقد أن ما نادي به الرئيس يجعلنا نعيد النظر في برامج إعداد المعلم لدينا؛ حيث ينبغي أن تتوافر الآليات المبتكرة التي يمتلكها صاحب الرسالة السامية كي يستطيع أن يقدم من خلالها خبرات التعلم المستهدفة والتغذية الراجعة في وقتها المناسب، وأن يخلق تواصلًا فعالًا مع المتعلم، ويتبنى من الاستراتيجيات والطرائق والأساليب متنوعة تؤدى إلى إثارة التفكير واستدامة الدافعية وحب الاستطلاع؛ بما يساهم في خلق يومٍ دراسي مليءٍ بالفعاليات التي تخلص المتعلم من حال الكلل، أو الممل، أو ضعف المقدرة على اكتساب خبرات تعليمية ننشد أن يتمكن منها.
إن بناء الدولة ونهضتها مرهون بإنسان يمتلك مقومات هذا البناء؛ لذا أكد فخامة الرئيس بوضوح على أن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان، وركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، وبناء المجتمعات المتقدمة، وبالفعل التعليم قاطرة التقدم والنهضة لكل مجال من مجالات الحياة العلمية والعملية والمعيشية، ومتعلم اليوم هو قائد الغد الذي يتحمل مسئولية البناء والتقدم، ورفع الراية والاصطفاف خلف وطنه وتقديم الدعم والمساندة لمجتمعه قاطبة.
ولا يخفى علينا الجهود التي تقوم بها الجهات المعنية بالدولة من أجل تطوير التعليم وفي مقدمتها المجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار بدوره؛ فقد ذكر سيادة الرئيس بأنه المظلة الشاملة لتطوير منظومة التعليم في مصر، والمعني بوضع استراتيجيات تعليمية شاملة تعتمد على رؤية متكاملة بعد دراسة مقترحات مؤسسات الدولة المعنية بالتعليم، وذلك لضمان ارتباطها الإيجابي بسوق العمل المحلي والإقليمي والعالمي، وهذا يؤكد لنا أن نظم التطور لا تدار أو تتم بصورة منفردة أو يقوم بها شخص بعينه مهما بلغت مكانته؛ فالأمر معقد للغاية ويحتاج بالطبع لعمل متواصل وجهود مضنية دون توقف.
والتطوير كما يدرك المتخصصون لا ينبري على المحتوي التعليمي فقط؛ حيث يشمل كافة عناصر العملية التعليمية من منهج ومعلم ومقومات لوجستية وبيئة متكاملة وهيكل إداري وتقدم تقني يضمن تنفيذ الأنشطة التعليمية وغير ذلك من ضروريات تطبيق مفردات المناهج المطورة بشتى المراحل التعليمية؛ لذا فالأمل معقود على روح التعاون والتشارك والتضافر في إنجاح النظم التعليمية المطورة؛ فالتنمية المستدامة دون شك متوقفة على مخرجات تعليمية تمتلك التفرد المهاري والخبرات التي تناسب متطلبات سوق العمل المتغير والذي بات يعتمد على التقنية الرقمية بصورة رئيسة.
وما يثلج القلوب توجه الدولة القوي حيال تعضيد النسق القيمي لدى أبنائنا بمراحل التعليم المختلفة؛ حيث العمل الممنهج تجاه تعزيز أخلاقنا الحميدة وقيمنا النبيلة التي تتسق مع صحيح المعتقد الوسطي والفكر المستنير الذي يغذى بمعارف صحيحة لنضمن سلوك راق في خضم رعاية مؤسسية متكاملة تشمل في طياتها الأسرة والمؤسسة التعليمية وسائر المؤسسات المعنية ببناء الإنسان وتعديل سلوكه وتقويم خطاه وتهذيب طباعه كي يصبح مواطنًا صالحًا بما تحمله الكلمة من معنى.
وفي هذا الإطار أشار فخامة الرئيس إلى أهمية أن تكون الاستراتيجيات التعليمية طويلة الأمد وثابتة، ترتكز على رؤية واضحة ومستدامة، بحيث لا تتأثر بتغير المسئولين أو الإدارات، وذلك لضمان الاستمرارية في تحقيق التقدم المنشود في قطاع التعليم، وهنا علينا أن نعي ضرورة التطوير كي نستطيع أن نخلق في نفوس فلذات أكبادنا الأمل واليقين، ونؤهلهم لبناء المجتمع الناجح القائم على فهم الحياة ومتطلباتها، ونوفر لهم المساحة التي يمتلكون من خلالها مهارات القرن الحادي والعشرين؛ حيث الابتكار والتجديد في بيان وكيان وطنهم الغالي.
وبكل سرور أتطلع عبر ما تتبناه الدولة من رؤى تطويرية خاصة بنظمنا التعليمية أن نتضافر كي نوفر متطلبات توظيف واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تساعد كل من المعلم والمتعلم في تحقيق الأهداف الإجرائية للمحتوى التعليمي؛ فمن خلالها يستطيع المعلم المزج بينها وبين استراتيجيات التدريس المناسبة لطبيعة المحتوى وخصائص المتعلمين لإكسابهم الخبرات التعليمية المتضمنة بمحتوى التعلم، وبالطبع يُسهم ذلك في إعانة وتمكين المعلم من تصميم مواقف تعليمية جديدة (مهام الأنشطة التعليمية)، تحقق الدمج التام؛ فتصبح البيئة التعليمية ذكية صالحة لكل من التعلم الفردي والتشاركي، كما يبقى التعلم المتمركز حول المتعلم.
وبكل سعادة وسرور وشعور بالامتنان أكرر دعوة فخامة الرئيس بأن نسأل الله – تعالى – أن يوفق الجهود الوطنية لتحقيق نهضة تعليمية شاملة تلبي تطلعات أبنائنا وتساهم في بناء مستقبل أكثر إشراقًا لمصر.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.