أشعر بالطمأنينة فيما تتخذه قيادتنا السياسية الحكيمة من قرارات قد يترتب عليها مزيد من الصعوبات التي قد يعيشها الشعب المصري؛ كون أن هذا الشعب أصيل في طبعه وطباعه وممارساته؛ فيشهد التاريخ له بالبسالة في الأوقات العصيبة التي مرت بها البلاد، ويسطر التاريخ له ملاحم أكدت فيها هذا الشعب الأصيل على رباطه وتماسكه ومساندته مع مؤسساته الوطنية، وهذا سر قوتنا التي قهرت العدو وغدا يحسب لها حسابات من نوع خاص.
أثق في مقدرة مؤسساتنا الوطنية وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية في ردع كل من تسول له نفسه التعدي على حدودنا الأربعة؛ لكن تزداد ثقتي عمقًا في شعب أصيل لا يقف مكتوب الأيدي، بل له ممارسات تدهش القاصي والداني على الأرض؛ فهناك من يعقد بأن المصريين يؤيدون بالكلام وفقط، أو بدعم مادي وفقط؛ لكن سترى أن جموعًا تجمعت تطلب الشهادة من خلال خوض غمار المعركة على الأرض، جنبًا إلى جنب مع جيشه العظيم.
اعتقد أن العدو يهاب مصر جيشًا وشعبًا وقيادة تتسم بالحلم؛ لكن لها ثبات وشموخ في الحق كالجبال، وهذا مجتمعًا يجعل قوى الشر تخطط وتدبر كي تضعف العزيمة؛ فعبر الأزمات، ومن خلال تفاقم وتزايد زخم غلاء المعيشة سوف تنخفض الهمم وتقل إرادة التحدي، وهذا اعتقاد مشوه تجاه من لم يخبر ويدرك ويعلم طبيعة وخصائص هذا الشعب الأصيل الأبي الذي لا يقبل الضيم في حياته.
الشعب الأصيل يدرك عدوه جيدًا ولا يعبأ بتصرفات تستهدف زعزعة الاستقرار والنيل من نسيج وتماسك نسيج هذا الشعب؛ ومن ثم فهو في حالة تعبئة وجاهزية تامة، بل واصطفاف على مدار الساعة؛ فلا مساس بأمن البلاد القومي ولا تفريط في رمال تشبعت بالدماء الذكية، ولا اعتراف بوهم التهجير الذي ينعق به أصحاب الفكر غير السوي والمآرب المغرضة والمخططات القميئة.
نصرة ومناصرة القضية الفلسطينية في وجدان كل مصري، بل وكل عربي وكل حر من أحرار العالم، ومن يتقبل التهجير المزعوم لا يؤمن بماهية العدل ولا يعترف بحقوق الإنسان ولا يعبأ بفكرة السلم والسلام ولا يمتلك من القيم النبيلة ما يجعله يراجع موقفه ولا يحسب لمعادلات الشعوب حسابًا؛ فالشعوب الأصيلة تشكل مع جيوشها القوة الرادعة التي تقهر الظلم وتدحر العدوان.
إن المستحيل يكمن في التغول على إرادة الشعوب، ومن يتوهم أن القوة العسكرية هي الفيصل فقد وقع في براثن الضلال والهلكة؛ فالشعوب الأصيلة تصنع المستحيل، وتستطيع أن تقتنص حقوقها المشروعة، بل وتقهر كيد الكائدين، كما أن نضال الشعوب لا يتوقف؛ فطريق الحق لا تراجع عنه، وهذا ما يجب أن تقف عنده عقول أولي الألباب وذوي الإنصاف.
المعتقدون بأن الشعوب الأصيلة سوف تستسلم لا يدركون فلسفة تكوينها؛ فنسيجها الصبر وقوتها في حلمها وثباتها في لحمتها؛ لذا تركن إليها قيادتها وتطمئن لدعمها وتثق في تحملها، كما تتضافر مع مؤسساتها فتقوى بدعمها وتعزيزها، وتعمل بكل قوتها وطاقتها كي تحقق أحلام شعوبها أصيلة المعدن والموقف.
سيدرك العالم بأن مصر وشعبها الأصيل لن يفرط ولن يتسامح في حقوقه ولن يتراجع عن موقفه النابع من قيمه وعقيدته الراسخة ولن يرتضي بالظلم أو يشارك فيه؛ فقد تربينا على العزة وشرف الكلمة وقول الحق وهجرنا ما من شأنه يقلل من قدر وقيمة الإنسانية؛ فلا قبول لظلم ولا مناصرة لباطل ولا تقبل لمن يجاهر بالعداء ويكيد المكائد بصورها البشعة.
سيظل شعب مصر الأصيل رافعًا لراية الحق ناصرًا لأشقائه مستنكرًا دعوات التهجير غير قابل لصور الجور والظلم التي تمارس على شعب أعزل له قضية عادلة كل ما يتمناه أن يعيش في سلم وسلام وأمان واستقرار ويعمل على تنمية مقدراته المادية والبشرية، وتلك مطالب مشروعة لا خلاف ولا جدال حولها؛ لكن المعتدي والمغتصب لا يعنيه ذلك ولا يعبأ له؛ فغايته مزيد من التوسع والاستيطان وفق عقيدته البالية.. حفظ الله بلادنا الحبيبة وشعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة جامعة الأزهر