سأظل أؤكد أن بناء الوعي الشعبي الصحيح هو الطريق الحقيقي لنهضة الأمم وأساس إستمرارها قوية وفاعلة ،وهو العامل الرئيسي في التغلب على أي أزمات. وأن بناء الوعي بالطريقة الصحيحة يجعل المواطن محصنا ضد الإختراقات الفكرية والثقافية التي تعد أخطر أسلحة الحرب الحديثة التي تعتبرعقل وفكر المواطن الميدان الرئيسي .
وبناء الوعي الشعبي عملية طويلة المدى تشارك فيها مؤسسات متعددة دينية وإعلامية وتعليمية وتربيوية وثقافية وتتعهد المواطن بالاعداد منذ ميلاده وطوال فترة حياته .ومؤسسات بناء الوعي تبدأ بالأسرة يليها المدرسة ثم الجامعة، والمؤسسة الدينية المسجد والكنيسة، والمؤسسات الترفيهية مثل الأندية الاجتماعية والثقافية والرياضية ” ومؤسسات المجتمع المدني وأهمها النقابات المهنية الأحزاب السياسية ، ثم وسائل الإعلام.
وبقراءة الواقع المعاصر نرى أن دور كل هذه المؤسسات في عملية بناء الوعي تراجع كثيرا أمام دور وسائل الإعلام والذي تعاظم دوره بظهور الانترنت والإعلام الالكتروني ومواقع التواصل الإجتماعي. حيث يتم من خلالها التواصل المباشر مع الأفراد بعيدا عن وسائل الاعلام التقليدية. ويرى الخبراء في تكنولوجيا المعلومات أن التوسع في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يعود إلى :” آلية الاتصال في اتجاهين تتبادل فيه أطراف عملية الاتصال الأدوار، ويكون لكل طرف فيه القدرة والحرية في التأثير على عملية الاتصال في الوقت والمكان الذي يناسبه وبالدرجة التي يراها ، وأصبح كل طرف مشاركا ومتفاعلا في العملية االتصالية الكلية يؤثر فيها وفي
عناصرها ونتائجها”.
وقد تنبهت الدول الكبرى مبكرا إلى خطورة هذا الاتصال المباشر مع الشعوب وضرورته في الوقت نفسه . وتكشف ذلك وثيقة نشرها الدكتور عبد الرازق الدليمي في كتابه (المدخل الى وسائل الاعلام الجديد ). وتتضمن تلك الوثيقة التقرير رقم 1352 في 27 ابريل عام 1964 الذي تمت مناقشته في دورة الكونجرس الأمريكي رقم 88، وجاء بالتقرير النص التالي : ” يمكننا أن نحقق بعض أهداف سياستنا الخارجية من خلال التعامل مع شعوب الدول الأجنبية بدلا من التعامل مع حكوماتها من خلال استخدام أدوات وتقنيات الإتصال الحديثة ، ويمكننا اليوم ان نقوم باعلامهم والتأثير في إتجاهاتهم ، بل وممكن في بعض الأحيان أن نجرفهم ونجبرهم على سلوك طريق معين والذي يؤدي في النهاية إلى أن هذه المجموعات بإمكانها أن تمارس ضغوطا ملحوظة وحاسمة في نفس الوقت على حكوماتها “.
نتائج هذا التقرير ظهرت بعد حوالي 47 عاما فيما يسمى ثورات الربيع العربي عام 2011 التي لعبت الانترنت ومواقع التواصل الإجتماعي دورا كبيرا في إندلاعها وإستمرارها . ونقل الدكتور الدليمي في كتابه القيم شهادة جون كيرى وزير الخارجية الامريكي عام 2013 والتي قال فيها :” التطور الجديد لتكنولوجيا الإتصال غير جانباً مهما من معتقدات وقناعات المجتمعات وثقافاتها وأن أحد اهم اسباب تغيير الإتجاهات للشباب الواعي سريعاً بسبب التحديث السريع والتناقل لهذه الأخبار عن طريق مواقع الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بما يختلف عن اساس عمل الصحافه الورقية”.
أما عن الجانب التدميرى للانتر نت ومواقع التواصل الاجتماعي فيمكن أن نلاحظه بوضوح في النوعية الجديدة من جرائم انتهاك الاعراض والابتزاز والنصب والاحتيال والسب والقذف المتداولة حاليا أمام المحاكم . ونلاحظها ايضا في تزايد جرائم الخيانات الزوجية مما تسبب في إرتفاع نسبة الطلاق.
وهنا تبرز أهمية بناء الوعي الصحيح لأنه يمكن الفرد من التعامل مع الانترنت ومواقع التواصل بفهم وإدراك تجعله يأخد منها المفيد وتجنبه الإنجراف والوقوع في الخطأ.
Aboalaa_n@yahoo.com