الفساد يرتبط باستعداد الموظفين الرسميين لقبول الرشاوى ففي الحياه اليومية عاده ما يستخدم مصطلح الفساد للإشارة إلى سوء استعمال الإداري أو السياسي للسلطة المرتبطة بالمنصب الذى يشغله ليحصل على نفسه على دخل اعلى من الدخل الرسمي المرتبط بهذا المنصب. هو تدنى وانحطاط مستوى الإدارة وأخر هو استغال موقع معين لأغراض شخصيه ومنفعة وإساءة استعمال الوظيفة والتسيب فيها والأغفال عنها شخصيه على حساب المنفعة العامة والتلكؤ والإهمال في تأديتها للكسب الخاص وتقديم المنفعة الخاصة على العامة وهو سوء استخدام الفرد للسلطة الموكلة اليهم لأغراض الربح الخاص والمنفعة غير المشروعة. تعريف موسوعة العلوم الاجتماعية (الفساد هو سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح خاصة( كما عرفته )هو خروج عن القانون والنظام العام وعدم الالتزام بهما من أجل تحقيق مصالح سياسية واقتصاديه للفرد أو لجماعة معينة)
تعريف الفساد
نستعرض فيما يلي معنى الفساد اللغوي والاصطلاحي، ومن ثم نعرّج الى التعريفات المخصصة قانونيا وشرعيا واجتماعيا
الفساد لغة:
ورد في لسان العرب لإبن منظور “الفسادُ نقيض الصلاح، فَسَدَ يَفْسُدُ ويَفْسِدُ وفَسُدَ فَساداً وفُسُوداً، فهو فاسدٌ وفَسِيدٌ فيهما. وقوم فَسْدَى. وأَفَسَدَه هو واسْتَفْسَد فلان إِلى فلان. وتَفَاسَدَ القومُ: تدابَرُوا وقطعوا الأَرحام؛ واستفسد السلطانُ قائدَه إِذا أَساء إِليه حتى استعصى عليه. والمَفْسَدَةُ: خلاف المصْلَحة. والاستفسادُ: خلاف الاستصلاح. وقالوا: هذا الأَمر مَفْسَدَةٌ لكذا أَي فيه فساد، ويقال: أَفْسَدَ فلان المالَ يُفَسِدُه إِفْساداً وفَساداً، والله لا يحب الفساد. وفَسَّدَ الشيءَ إِذا أَبَارَه.
الفساد اصطلاحا
وفي الاصطلاح، فالفساد هو “خروج الشيء عن الاعتدال، قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا، أو هو العدول عن الاستقامة الى ضدها، أو هو التغيير عن المقدار الذي تدعو اليه الحكمة”
كما اتخذ الفساد أوصافاً وتعريفات عدة، حيث يدخل ضمن الاصطلاح للفساد بمفهومه الواسع ” جميع الأشكال والعمليات الفسادية، سواء كان ذلك سوء استخدام السلطة واستغلال النفوذ، او الوضع الخاص الذي يحتله شخص ما في الحياة العامة، أو جميع أنواع الرشوة المكشوفة والمستترة والنقدية والعينية، سواء فيما يتعلق بإتمام الصفقات والمعاملات بين الافراد والدولة، أو داخل نظام الدولة بين أهلها وموظفيها، أو بين الأفراد أنفسهم خارج نظام الدولة” وتعرّف منظمة الشفافية الدولية الفساد “إساءة استخدام السلطة التي أؤتمن عليها الفرد لتحقيق مصالح شخصية” ووصفت الامم المتحدة الفساد بأنه “سوء استعمال السلطة العامة للحصول على مكاسب شخصية مع الإضرار بالمصلحة العامة”
اما صندوق النقد الدولي فقد وضع تعريفا للفساد الاداري جاء فيه أنه ” سوء استعمال الوظيفة العامة من أجل الحصول على مكسب خاص، ويتحقق عندما يقبل الموظف الرسمي رشوة او يطلبها او يبتزها” مع التركيز هنا على الفساد في القطاع العام، فيحدث الفساد عندما يقوم موظف بقبول او طلب او ابتزاز او رشوة، لتسهيل عقد او اجراء طرح منافسة عامة، كما يتم عندما يعرض وكلاء او وسطاء لشركات او اعمال خاصة تقديم رشوة للاستفادة من سياسات او اجراءات عامة للتغلب على المنافسين وتحقيق ارباح خارج اطار القوانين المرعية، كما يمكن للفساد ان يحصل عن طريق استغلال الوظيفة العامة دون اللجوء الى الرشوة، وذلك بتعيين الاقارب او سرقة اموال الدولة.
وقد توسع مفهوم الفساد ليشمل كل خروج عن القواعد القانونية والقيم الانسانية المتعارف عليها بشأن العمل الوظيفي، وبدأت تختلف تعريفات الفساد باختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها اليه، فيعد فسادا كل سلوك انتهك أيا من القواعد والضوابط التي يفرضها النظام، كما يعد فسادا كل سلوك يهدد المصلحة العامة بخيانتها وعدم الالتزام بها وذلك بتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وكذلك أي إساءة لاستخدام الوظيفة العمة لتحقيق مكاسب خاصة، وقد يتضمن مفهوم الفساد النية والإرادة الآثمة التي تستهدف التكسب من الوظيفة العامة بأي صورة.
. التعريف القانوني للفساد
عرّف القانون الفلسطيني الفساد على أنه “الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة والجرائم المخلة بالثقة العامة المنصوص عليها في قوانين العقوبات السارية، والجرائم الناتجة عن غسل الاموال المنصوص عليها في قانون غسل الأموال، وكل فعل يؤدي الى المساس بالاموال العامة، وإساءة استعمال السلطة خلافا للقانون، وقبول الواسطة والمحسوبية التي تلغي حقا وتحق باطلا”
وإذا ما اعتبرنا الفساد كونه فعلاً فهو خروج عن القوانين والأنظمة،أو استغلال غيابهما، من اجل تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية مالية وتجارية، أو اجتماعية لصالح الفرد أو لصالح جماعة معينة للفرد مصالح شخصية معها، لذلك فانه لا يكون الا بتوافر عنصرين هما :
مخالفة فعل الفساد لنصوص القانون وهو ما يشكل جريمة منصوص عليها قانونا تستوجب العقاب من الناحية الجنائية فقط، والعنصر الثاني هو سوء استخدام المنصب العام أو استغلاله بهدف خدمة أغراض خاصة أو تحقيق منافع شخصية مادية أو معنوية. وخلافا لتعليمات وضوابط العمل في ذلك المنصب مما يؤدي إلى تحقق المسؤولية الإدارية و الجنائية معا. ونتيجة لذلك فان الفساد باعتباره سلوكاً أو فعلاً يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمصلحة العام، وهو ما يشكل جريمة يعاقب عليها القانون، فهو ظاهرة إجرامية أو سلوك منحرف عن قواعد السـلوك الاجتماعي السائدة في المجتمع،
ذلك تأسيسا على إن السلوك الإجرامي ليس مجرد واقعة يجرمها القانون ، ولكنه سلوك يصدر من إنسان يعيش في بيئة معينة ووسط مجتمع معين ومن ثم فهو سلوك اجتماعي منحرف ، حيث يقرر علماء الجريمة إنها لا ترجع إلى مصدر واحد أو مصدرين بل تنبع عن مصادر عديدة متنوعة ومتشابكة ومعقدة، وبالمثل فالفساد المالي والإداري، كظاهرة إجرامية لها خصوصيتها بين غيرها من الظواهر الإجرامية الأخرى، ليس فعلا منعزلا أو عرضيا ولكنه ثمرة تضافر عوامل عديدة تحركه وتحدد تكوينه وظهوره.
- التعريف الشرعي للفساد
يشمل الفساد في معناه العام كل اعتداء على الأنفس والأموال والموارد، ويقول رب العزة سبحانه وتعالى ” وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ
” البقرة ٢٠٥، ويشمل أكل الاموال بالباطل، حيث نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك في قوله:” ولا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم وانتم تعلمون”، وقد
إنَّ مدلول الفساد في ألفاظ القرآن الكريم مدلول شامل لجميع أنواع الفساد وصوره. وقد جعل الشرع الحنيف المعاصي، كل المعاصي، فساداً في الأرض، فكل المخالفات خروج عن جادة الصلاح، وانحراف عن الطريق المستقيم، سواء كانت هذه المخالفات في مجال السلوك أو مجال الجرائم الجنائية أو الحقوق المدنية أو الحقوق العامة.
صور الفساد وأنواعه في الشريعة
وترى النصوص الشرعية أن الفساد قد يكون في العقيدة فيكون فساداً عقدياً وهو أسوأ أنواع الفساد وصوره، وقد يكون أمنياً واجتماعياً، وقد يكون مالياً أو أخلاقياً.
الفساد العقدي:
وهو فساد الاعتقاد الذي هو أساس كل فساد، فسعي الإنسان تبع لمعتقده؛ فإذا كان المعتقد فاسداً كان السعي فاسداً، وإذا كان المعتقد صحيحاً صالحاً صلح سعيه، قال تعالى [البقرة: 11]، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ المراد بالفساد( ): الكفر، وقال غيره: إنه النفاق الذي صادقوا به الكفار، واطّلعوهم على أسرار المؤمنين
وكل من الكفر والنفاق اعتقاد فاسد، يفسد به سلوك المرء فيسعى في الأرض فساداً، وكيف يصلح من سلب الإيمان من قلبه؟ فالكفر والنفاق نوع من أنواع الفساد بل أقبح الأنواع لأنه المؤثر على مسلك الإنسان وسلوكه.
الفساد الأمني والاجتماعي:
الأمن أساس النعم، ومن فقد الأمن لا يشعر بسائر النعم … يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): ( من أصبح منكم آمناً في سربه، معافاً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا)( ). فقدَّم الأمن على الصحة والرزق.
وجاء في أغلب آيات القرآن التي ذكر الفساد مرتبط بالأرض التي هي موطن الإنسان وفيها نشاطه. ويتعرض القرآن بشكل مفصَّل تحت تعبير الإفساد في الأرض إلى ضمانات الأمن الاجتماعي خصوصاً الداخلي منه يقول تعالى [المائدة: 33]، ويقول [البقرة: 205].
وأن هناك حاجات رئيسية وحقوقاً أساسية يحتاجها المجتمع، وبدون تحققها لا يمكن أن يستمر نحو تحقيق أهدافه ، وهي حاجات طبيعية تفرضها ظروف الإنسان الطبيعية من غذاء ، وسكن وسلامة وطمأنينة، وتعد حقوقاً أساسية في كل مجتمع ، وأي تهديد لهذه الحاجات أو خلل في تلبيتها أو كفايتها يعد فساداً أمنياً واجتماعياً يهدِّد مسيرة الإنسان لأداء رسالته.
الفساد المالي :
المال هو عصب الحياة ، وقد عني الإسلام بتنظيم علاقات البشر المالية [البقرة: 275]، ومن المصاديق التي يتعرض لها القرآن نموذج غياب الأمانة في الأسواق، وسوء الإنتاج متمثلاً في الغش والسرقة في البيع، وعدم الصدق في العقود .
وأن المعاملات الاقتصادية من بيع وشراء وإجارة ومضاربة وما شابه ذلك من أنواع التعامل المالي التي هي عقود بين الطرفين، إذا سادها جو الصدق، وعدم التجاوز على حقوق الآخرين، والتزم كل طرف بما يقتضيه العقد، فإن التعامل الاقتصادي والتجاري سوف يكون ناشطاً وفاعلاً وبعيداً عن الخداع والاعتداء والغبن والتدليس، مما يعود على السوق بمزيد من الأموال، وينعكس ذلك أثراً فاعلاً على شيوع قيم الثقة والصدق في المجتمع، مقابل قيم الجشع والظلم والاعتداء والغش التي تؤدي إلى زعزعة الروابط الاجتماعية وتماسك المجتمع، ويهدد استقراره، مما يعدُّ أوضح صور الفساد في الأرض .
الفساد الأخلاقي :
وهو من أخطر أنواع الفساد لأنه تعَدٍّ على العروض، خادش لشعور الناس. وقد نظم الله العلاقة الجنسية فقصرها على الزواج، وجعل غير ذلك تعدياً، قال تعالى في وصف المؤمنين [المؤمنون: 5-7].
فالزنا نوع من أنواع الفساد الأخلاقي مشين ويذكر القرآن نوعاً من الفساد الأخلاقي ضمن دعوات قوم لوط وقوم شعيب، فالقرآن يعتبر أن عمل قوم لوط من صور الفساد في الأرض، وهذا العمل الشائن يؤدي بالإضافة إلى الأمراض المختلفة إلى تهديد النسل، واستمرار الوجود البشري، الأمر الذي لا يحتاج إلى مزيد بيان.
والموضوع يطرح في حضارة اليوم تحت عنوان: (المشكلة الجنسية) التي أصبحت معلماً بارزاً وسيئاً وخطيراً لا سيما في الحضارة الغربية التي تريد أن تحكم العالم اليوم، والجنسية المثلية التي يريد الغرب أن يقننها كظاهرة إنسانية مقبولة، يعتبرها القرآن من صور ونماذج الفساد في الأرض.
هذه الظاهرة خرابها يعُمُّ الأرض الآن بما أفرزته من أمراض عجيبة مثل الأيدز (طاعون العصر) ولعل هذه المشكلة وتعقدها تعتبر معلماً في حساب درجة الإفساد في الأرض ، وما تعيشه حضارة الغرب التي تلقي بظلالها السيئة على كل العالم، وهي نموذج جلي لانهيار المجتمع وفساده وتفككه .
والإحصاءات لآثار هذه الظاهرة تملأ الصحف وتفيض بها المجلات .
الفساد البيئي :
إن قضايا البيئة واجهت البشر في أخريات القرن الماضي ، والتلوث البيئي أصبح هاجساً لجميع الأمم المتقدمة وغيرها، وأصبحت مكونات البيئة من مكان وهواء وماء مهددة بالفساد والاستهلاك، ويجمع المختصون أن السلوك البشري يعتبر أول مهددات البيئة بالإسراف والتبذير والتلوث.
ولعلنا نجد الإشارة لهذا في قوله تعالى [الروم: 41].
وقد أولى الشرع الحنيف أمور البيئة كل العناية، فمن مبادئ الشرع عدم الإسراف في استهلاك كل شيء، فمثلاً نهى عن الإسراف في الماء، ولو كان ذلك في الطهارة، ولو كان المتوضي على ضفة نهر جار . وحمى الماء من التلوث، فنهى عن البول في الماء، وعن التبول في أماكن الناس ومواردهم، وإن الاعتداء على البيئة نوع من أنواع الفساد .
مدلول مصطلح الفساد في السنة المطهرة
ونحن إذا استعرضنا الأحاديث التي جاء فيها مصطلح الفساد لبيان مدلول الفساد ومعناه، وجدنا مصطلح الفساد جاء ليدل على المعاني التي دلَّ عليها القرآن، ويدل أيضاً على : تلف الشيء وذهاب نفعه .
وجاء من هذا قول الرسول : (… ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)( ). وجاء قوله أيضاً : ( إنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله طاب أعلاه، وإذا فسد أسفله فسد أعلاه)( ).
ومن ذلك قول الرسول : ( أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة: الصلاة، فإن صلحت، صلح منه سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله)( ).
من ذلك قول الرسول عليه السلام: ( إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء. قيل من الغرباء يا رسول الله ؟ قال: الذين يصلحون ما أفسد الناس)( ).ومنه اختلال الشيء وخروجه عن مألوفه .
وجاء الفساد في السُّـنَّة بمعنى البطلان وعدم الإجزاء :
وأتى بمعنى تغير الحال إلى غير الصلاح :
مثل حديثه عليه السلام الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المستمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد)( ). ففساد الأمة هو تغيرها إلى غير صلاح.
ويأتي معبراً عن فساد ذات البين:
قال عليه السلام: ( شر الناس ثلاثة: متكبر على والديه، يحقرهما، ورجل سعى في فساد بين الناس بالكذب حتى يتباغضوا ويتباعدوا)( ).
التصدي للفساد من قبل الشريعة الاسلامية :
من سماحة الشريعة الإسلامية أنها كفلت للناس حفظ الكليات الخمسة التي لا يأمن الإنسان في حياته، ولا يسعد في عيشه إلا بالطمأنينة على سلامتها، هذه الكليات هي : النفس، والمال، والعرض، والعقل، والدين.
وجعلت كل تهديد وتعَدٍّ على هذه القيم، ضرباً من ضروب الفساد والإفساد ، وشرعت لذلك معالجات عقابية رادعة تردع الجاني، وتزجر غيره عن التعدي عليها، معروفة بالعقوبات الحدية .
فللمعتدي على النفس البشرية شرع الله القصاص قال تعالى [البقرة: 179]، وقال تعالى [المائدة: 38].
وللتصدي على المال بالسرقة شرع الله قطع اليد اليمنى من مفصل الكف قال تعالى : [المائدة: 38].
أمَّا التصدي على المال بقطع الطريق أو السطو على البنوك ودور المال في شكل عصابات؛ فقد جاء مقدماً في هذا وذلك قول الله تعالى [المائدة: 33].
والتعدي على الأعراض بالزنا جعل الله عقوبته جلد البكر ورجم المحصن والمحصن هو الذي جامع في نكاح صحيح قال تعالى [النور: 2].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (.. خذوا عني خذوا عني: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)( ).
أما التعدي بالفساد على العقل وذلك بشرب المسكر، فقد جلد فيه الرسول بجريدتين أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وزاد عمر إلى ثمانين وكله سُنَّة( ).
والتعدي على الدين يتمثل في الردة بعد الإيمان، وفي هذا يقول عليه السلام: (من بدَّل دينه فاقتلوه)( ).
وهذا الجانب العقابي في التصدي للفساد منوط بولي الأمر صاحب السلطة لا يباشره غيره، فتكون فتنة في الأرض وفساد كبير.
نظراً للنتائج الكارثية لحلول ظاهرة الفساد واستفحالها وسرطنتها لخلايا المجتمعات الحية ونتائجها الكارثية على أمن المجتمعات ومستقبلها فقد كانت الظاهرة دوماً محطة محورية للبحث والدراسة سواء لفهم جذورها لأجل تعطيل وإعاقة تطورها واستفحالها، أو لأجل فهم النتائج المترتبة على نموها وتطورها واتساع مدياتها في الحيز السياسي الرسمي أو المدني أو الاستثماري التنموي (القطاع الخاص)، ولذلك فإن الموروث المعرفي المتشكل والمتراكم في دراسة الظاهرة يشكل مصدراً رحباً متعدداً للباحثين والدارسين. ولأن (الظاهرة) لا تصبح وعياً إلا بالحس…….
فإن تناولها بالتأطير المعرفي كان دوماً يتشكل على مضمون جدلي: فالتحولات السياسية والاقتصادية والثقافية في نسق النظام كانت دوماً تؤدي إلى تطورات وتحول معرفي لمواكبة هذه الظاهرة في تمظهراتها المختلفة ونموها السرطاني في النظم السياسية الاستبدادية (السلطوية، العسكرية)، أو خمولها وتراجعها في النظم السياسية الديمقراطية التي تقيم سلطانها وشرعيتها على الأسس والمعايير القانونية. وعموماً تبلورت الاتجاهات النظرية لتعريف الفساد في أربعة اتجاهات كبرى تشكل معاً الاقترابات الأساسية لدراسة الظاهرة، والتي اعتنى بها بدقة الباحث الجزائري (محمد حليم ليمام) وهي فيما يلي: الاتجاه الأخلاقي، الاتجاه القانوني، واتجاه المصلحة العامة واتجاه الرأي العام.
• الاتجاه الأخلاقي
الذي نجد موروثه في الفكر السياسي اليوناني وما تلاه من آثار في الفكر السياسي العالمي، فإنه يشير إلى نمط الحكم المنحرف الذي تسيطر عليه حكومة الغوغاء التي لا تلتزم القانون، فالنظرة الاخلاقية تستمد شرطها من الحكم العادل النزيه الذي يرى أن ظاهرة الفساد هي انعدام النزاهة والعدل، ويعد الحكم فاسداً إذا حكم عليه المجتمع بذلك، وإذا أحس الذي يمارس الفساد بالذنب. والمجتمع الفاسد هو الذي تسيطر عليه وتخترقه المصلحة الخاصة فلا يأبه للقيم المدنية وتغيب عنه معاني الولاء والتعاون ويحكمه العنف والرشوة.
• اتجاه الرأي العام
قدم هذا المدخل مساهمة كبيرة في مجال تحديد مواطن الفساد وتحليلها كنتيجة لتطور منهج الدراسات السياسية المقارن التي تضمنت الاهتمام بقياس الرأي العام ونظرته وإدراكه لأشكال الفساد وحجمها وآثارها الكارثية على النسق المجتمعي والبناء السياسي. فهذا الاتجاه المقارن قد غادرت توجهاته البحثية اعتماد المعايير الأخلاقية، إلى التركيز على المقاربة المتعلقة بالثقافة، سواء كانت الثقافة في مستوى المثل والمعايير المجتمعية التي يقاس بها السلوك، أو الثقافة السياسية وأهميتها العميقة في تحديد توجهات المواطنين حول القضايا والمشكلات التي تبرز خلال عمل النظام السياسي.
• الاتجاه القانوني
أصبح هذا الاتجاه أكثر نفعاً وتأثيراً في مقاومة الفساد واجهاض خلاياه مع تطور النظم السياسية باتجاه الديمقراطية التي تقوم على القضاء المستقل، وفصل السلطات والمواطنة والتعددية والمشاركة السياسية والشفافية والاعلام الحر لضبط عمل النظام. لذلك فإن هذا الاتجاه ينطلق من تحديد مفهوم الوظيفة العمومية وشروطها وتحديد إجراءات عملها وشروط صحتها قانونياً. وعليه يصبح الفساد من ناحية قانونية: “هو السلوك الذي يخالف الواجبات الرسمية للمنصب/ الوظيفة العمومية مهما كانت صلاحياتها، تطلعاً إلى مكاسب خاصة أو إلى مكانة اعتبارية/ معنوية في البناء الاجتماعي.
لذا فهو سلوك ينطوي على انتهاك القواعد القانونية بممارسته أنواع معينة من التأثير تستهدف تحقيق مصلحة خاصة على حساب/ أو من حساب المصلحة العامة. وتتمثل أبرز تجليات هذا السلوك المخالف للقانون في الرشوة: (تقديم تسهيلات أو منح/ أعطيات لشاغل المنصب العام بهدف استمالته والتأثير عليه وشراء ذمته وضميره). والمحسوبية: أولويات القرابة والصداقة أو المشترك الديني أو المكاني أو السياسي/ الأيدولوجي على الكفاءة والاستحقاق في التسهيلات أو التوظيفات أو أداء الخدمات فيما يتضمن الاعتداء ونهب المال والموارد العامة، أو استخدامها بصورة غير مشروعة في التشريعات التي ينص عليها القانون.
ووفقاً لهذا المدخل: لا يكون السلوك الوظيفي فاسداً فقط بالإقدام على فعل غير مشروع في العمل الوظيفي وإنما يكون أيضاً بالامتناع أو تعطيل عمل مشروع كتعطيل إجراء قانوني معين.
لا شك أن عمومية الفساد، وارتفاع مستوياته ما هو إلاّ انعكاس لغياب النظام السياسي الديمقراطي الكفؤ المتعارف عليه في الثقافة العربية (بالحكم الصالح) الذي يتوخى الحكمة والعقلانية والمعايير الأخلاقية المتعارف عليها في المجتمعات الإنسانية. ولذلك فإن الفساد السياسي هو المدخل العريض والأساسي والاستراتيجي الذي تنبثق عنه كافة الممارسات الاجتماعية والثقافية والإعلامية والاقتصادية الفاسدة