بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.” إلا أن هذا التعريف على أية حال لا يقدم تحديداً لمحتوى الحق في الصحة نظراً لأنه من غير الواضح ما إذا كان “التمتع بأعلى مستوى” يجب أن ينظر إليه في ضوء الظروف الوطنية لدولة ما أم في ضوء الاقتصاد العالمي. ومن المؤكد أنه على صعيد بعض القضايا فإن أعلى مستوى يمكن التمتع به في ضوء الأوضاع الوطنية لبعض الدول لا يتماشى مع ما هو مقر به فيما يعد ضمن الحد الأدنى لمحتوى الحق في الصحة
تسببت أزمة فيروس كورونا، فى إعادة ترتيب مختلف الدول لخارطة أولوياتها، وذلك نتيجة ما سببه من تداعيات وأعباء جديدة على الموازنة العامة وهو ما جعل الوضع استثانئ ومضطرب بمختلف الدول ومنها ما تمكن من الصمود والاستمرار ومنها ما انهار اقتصاده وواجهته إشكاليات كبرى، وتمكنت مصر من إحداث توازنات من الصعب جدا تحقيقها، وتم الاتجاه لزيادة الاستثمارات فى الوقت الذى اتجهت دول كثيرة إلى خفضها، وكذا زيادة الرواتب فى وقت أحدثت فيها دول متقدمة انكماشا.
مع استمرار قوى العولمة الفائقة السرعة في نقل البضائع والمعلومات والنقود عبر الحدود بسرعة متزايدة يومًا بعد يوم، واستمرارها أيضًا في تحقيق فوائد لا تبرح تتعاظم لمن هم داخل دائرتها، هناك إدراك متزايد أن قطار الرخاء هذا يفوت معظم سكان العالم. والواقع أن معظم فوائد العولمة لا تصل إلى أكثر من نصف سكان العالم، أي 3 مليارات شخص يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.
ولا يزال هناك ما يربو على مليار شخص يعيشون في حالة من الفقر المدقع، وملايين الأشخاص الذين يعيشون بلا عمل، وعدد متزايد من المجتمعات تتصدّع تحت وطأة ضغوط عنصرية أو عرقية أو اجتماعية. وقد اتسعت الفجوة بين أغنياء العالم وفقرائه، في الوقت الذي هدّدت الأزمات المالية في آسيا والمحيط الهادئ بطمس ما تحقّق طوال سنوات من النمو والتحسن.
وإذا كانت العولمة قوّة إيجابية تحسّن مستويات معيشة الكثيرين وتتيح المزيد من الفرص، يقول الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان أنه “لا تكون العولمة بالنسبة إلى الكثيرين عاملاً يؤدي إلى التقدّم، بل قوة مسببة للاضطراب، تشبه الإعصار في قدراته على حصد الأرواح وتضييع الوظائف وهدم التقاليد. وهناك ما يدفع الكثيرين إلى مقاومة تلك العملية والاحتماء فيما هو محلي. وقد تكون العولمة مؤدية إلى مزيد من عدم المساواة. وقد تكون أيضًا مسبّبة لاضطراب التقاليد الثقافية وزيادة ما لدينا من إحساس بعدم الاهتداء الروحي”.
وتعتبر معظم البلدان النامية السرعة المتزايدة باستمرار والتي تحدث بها العولمة، بما تتركه من آثار بالغة في قرارات كل البلدان تقريبًا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أكبر عقبة تمنعها من تحقيق التقدّم الاجتماعي. وقد أثار منتقدو العولمة اعتراضات مؤداها أن النظام التجاري العالمي الجديد يلحق أضرارًا بالغة بالبيئة وحقوق العمال والمصالح المحلية، وفوق كل ذلك لا يلبي احتياجات السكان وفي ظل أجواء يسودها الإحساس المتزايد بعدم الأمان في عصر الاقتصاد العالمي الجديد، عقدت الأمم المتحدة مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية في كوبنهاغن، الدانمرك، العام 1995، والموضوع الأساس هو “وضع التنمية الاجتماعية في قلب الاهتمامات السياسية العالمية”، لتوجيه الانتباه العالمي نحو إيجاد حلول لمشاكل العالم الاجتماعية الرئيسة. وقد انتهى مؤتمر القمة، الذي حضره ممثلو 186 بلداً منهم 117 رئيس دولة أو حكومة، إلى اتفاق مهم تعهدت البلدان بموجبه العمل على تحقيق أهداف محددة في مجال التنمية الاجتماعية. فقد اتفقت البلدان على إعلان كوبنهاغن بشأن التنمية الاجتماعية، الذي تضمّن التزامات قطعية بالعمل بمزيد من الجد من أجل القضاء على الفقر، وتحسين الصحة والتعليم، والسعي إلى تحقيق العمالة الكاملة.
كما اتفقت البلدان على برنامج عمل من مئة فقرة يحدد الاستراتيجيات والغايات والأهداف المتعلقة بتحسين نوعية الحياة بالنسبة إلى الناس في كل مكان. أما أهمية هذا المؤتمر فتجلّت في تركيزه على الاحتياجات الأشد أهمية وإلحاحًا بالنسبة إلى الأفراد أي سبل المعيشة، والدخل والصحة والتعليم والأمن الشخصي. وعن طريق تحديد الأولويات، رفع مؤتمر القمة المعيار العالمي لتحقيق التقدم الاجتماعي، ونبّه أيضًا المؤسسات المالية الرئيسة في العالم، إلى أن جميع الخطط الاقتصادية يجب أن تعترف بآثارها الاجتماعية
وتتمثل التزامات التنمية الاجتماعية بما يلي:
ـ القضاء على الفقر المطلق بحلول موعد يحدده كل بلد.
ـ دعم العمالة الكاملة باعتبارها أحد الأهداف الأساسية للسياسة العامة.
ـ تشجيع التكامل الاجتماعي القائم على تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها.
ـ تحقيق المساواة والإنصاف بين المرأة والرجل.
ـ الإسراع بخطى التنمية في إفريقيا البلدان الأقل نموًا.
ـ كفالة إدراج أهداف التنمية الاجتماعية ضمن برامج التكيف الهيكلي.
ـ تهيئة “بيئة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وقانونية تمكن السكان من تحقيق التنمية الاجتماعية“.
ـ تمكين الجميع على قدم المساواة من الحصول على التعليم والرعاية الصحية الأولية.
ـ تعزيز التعاون من أجل التنمية الاجتماعية عن طريق الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن النتيجة التي خلص إليها مؤتمر كوبنهاغن ليست ملزمة قانوناً لأي بلد، فإن لها وزنًا أدبيًا وسياسيًا، ولا سيما أنها تمثل اتفاقًا تم التوصل إليه بين عدد كبير جدًا من زعماء العالم. وتوافق الآراء العالمي هذا له فائدته في نظر البلدان، لأن بإمكانه أن يساعد على وضع معايير وأهداف للتنمية الاجتماعية معترف بها عالميًا.
وعلى الرغم من أن للبلدان انطباعًا عامًا مؤداه أن الأهداف والأرقام المستهدفة التي حددت في كوبنهاغن ستكون صعبة التحقيق، فإن معظم الدول لا تزال تؤكد أنها ملتزمة السعي إلى تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية. وقد شكّلت معظم المؤتمرات الدولية التي تلت إعلان كوبنهاغن فرصة لحمل الحكومات على وضع قواعد ومعايير للتنمية الاجتماعية يهتدى بها في الجهود التي تبذلها المؤسسات المالية الدولية الرئيسة الأخرى، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكل بلد مسؤول عن وضع جدول الأعمال الاجتماعي المحلي الخاص به.
وقد حاولت هيئات الناخبين في عدد من البلدان، منذ انعقاد مؤتمر القمة، أن تصل إلى التوازن الصحيح بين أن يكون هناك تدخل حكومي أقل وضرائب أقل وكفاءة أكبر، وأن تكون هناك حكومة تعمل على تحقيق الإنصاف والعدالة الاجتماعية. وفي كثير من البلدان النامية، انصب الكفاح على إيجاد الموارد من أجل جدول الأعمال الاجتماعي من دون تعريض الإصلاحات الاقتصادية للخطر.
أـ النشاط العالمي لتطبيق مبادئ التنمية الاجتماعية
مع استمرار العولمة النيوليبرالية في فرض تحديات خطيرة، من بينها عدم الأمن والفقر والاستعباد وانعدام المساواة داخل المجتمعات أو في ما بينها وانتشار الأزمات المالية، تزايدت الاحتجاجات الصاخبة لمناهضي العولمة في سياتل العام 1999، التي كانت من أبرز الدوافع الرئيسة لأن يتبنى رؤساء الدول والحكومات (189 دولة) بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك من 6 إلى 8 أيلول/ سبتمبر 2000 مشروع إعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية للدفع قدماً بالتنمية وتخفيض الفقر بحلول العام 2015 أو قبله، ملزمين دولهم بذل المزيد من الجهد في البدء بمعالجة المداخيل غير الكافية، والجوع الواسع الانتشار، وعدم المساواة بين الجنسين، والتدهور البيئي، والإفتقار إلى التعليم والرعاية الصحيّة والمياه النظيفة، كما يتضمن إجراءات تقوم بها البلدان الغنية لتخفيض الديون وزيادة المساعدات للبلدان الفقيرة، والتبادل التجاري معها ونقل التقانة إليها
وأهم ما جاء في قمة الأرض، العمل من أجل تحقيق الأهداف الثمانية التالية:
ـ “إستئصال الفقر والجوع الشديدين من خلال إنقاص نسبة من يقل دخلهم عن دولار واحد في اليوم والذين يعانون الجوع إلى النصف بحلول 2015“.
– “تحقيق التعليم الابتدائي الشامل لجميع الأطفال في كل مكان الصبيان والبنات، على نحو مماثل، القادرين على إكمال المقرر التعليمي للمدارس الإبتدائية بحلول العام 2015“.
– “الحض على المساواة بين الجنسين وتمكين النساء من خلال إزالة الفوارق بين الجنسين في التعليم الابتدائي والثانوي، وفي جميع مستويات التعليم في غضون فترة لا تتجاوز العام 2015“.
– “تخفيض نسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة بمقدار الثلثين بحلول العام 2015“.
– “تحسين الصحة الأمومية من خلال تخفيض معدّل وفيات النساء في إبان الحمل والوضع بنسبة ثلاثة أرباع بحلول العام 2015“.
– “مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا وأمراض أخرى“.
– “ضمان الاستدامة البيئيّة وتتركز الغايات على دمج مبادئ التنمية المستدامة في سياسات البلد وبرامجه وعكس الاتجاه في خسارة الموارد البيئيّة، إنقاص نسبة منعدمي فرصة الحصول على مياه الشرب المأمونة إلى النصف بحلول العام 2015، وبحلول العام 2020 تحقيق تحسن مهم في حياة ما لا يقل عن مئة مليون من القاطنين في أحياء فقيرة ومكتظة“.
– “تطوير شراكة عالمية شاملة للتنمية: غاياتها مزيد من التطوير لنظام تجاري مالي منفتح، غير تمييزي، يشمل التزام الحكم الصالح والتنمية وتخفيض الفقر، ومعالجة الاحتياجات الخاصة لأقل الدول نموًا بما في ذلك دعوة البلدان الغنية. وذلك كي توسع من فرص البلدان الفقيرة لدخول السوق وتعزيز الواردات فيها، عبر تخفيض التعرفات الجمركية، والحصص النسبية والكوتا المفروضة على صادرات المصنّعات للدول النامية وإلغائها، وقف الإعانات المالية الحكومية للزراعة، تقديم مساعدات رسمية أكثر سخاءً من البلدان الملتزمة تخفيض الفقر، معالجة احتياجات البلدان المحوطة باليابسة والدول الجزرية النامية (عبر برنامج العمل للتنمية المستدامة الخاصة بهذه الدول)،
التعامل على نحو شامل مع مشكلات ديون البلدان النامية من خلال إجراءات إقليمية ودولية لجعل الديون قابلة للتحمل على الأمد الطويل بالتعاون مع الدول النامية، تطوير استراتيجيات لإتاحة العمل اللائق والمنتج لمن هم في سن الشباب، تأمين فرص الحصول على عقاقير جوهرية في الدول النامية بأسعار محمولة بالتعاون مع شركات الأدوية، ومع القطاع الخاص، وجعل فوائد التقنيات الجديدة، وخصوصًا تقنيات المعلومـات والاتصالات، متوافرة