إن الأهمية البيئية للأراضي الرطبة ” Wetlands ” ترجع إلى خصائصها المائية وكونها مناطق انتقالية بين الأنظمة اليابسة والأنظمة المائية كما أنها تؤدي وظيفة استقبال مياه الصرف والفضلات من المصادر الطبيعية والبشرية وتتميز بعدد من السمات التي تشمل إنتاجية بيولوجية عالية وثراء للتنوع البيولوجي والجيني المتمثل في الثروة السمكية والحياة الفطرية وخاصة الطيور .
أن الأراضي الرطبة ترجع إلى كونها مناطق انتقالية بين الأنظمة البيئية الأرضية والمائية والتي تؤدى العديد من الوظائف لخدمة البشرية مثل تنقية المياه وإنتاجيتها العالية للغذاء مثل الأسماك وبعض الأنواع البحرية فضلاً عن إعتبار النظم البيئية للأراضي الرطبة أحد أهم البالوعات الطبيعية وخزانات ثاني أكسيد الكربون وبالتالي لها دور كبير في التخفيف من آثار التغيرات المناخية. جدير بالذكر إن الأراضى الرطبة تقدم العديد من الخدمات للبيئة حيث تعتبر خزانات للتنوع البيولوجي حيث تحتوي على 40 % من مجموع الأنواع فى العالم كما تعتبر الأراضي الرطبة الشاطئية ذات أهمية خاصة في حياة الطيور المهاجرة فهى ملجأ لكثير من أنواع الحيوانات فى نوبات الجفاف وغيرها من المخاطر البيئية.
أن مصر لديها 4 مواقع معلنة كمناطق أراضى رطبة (رامسار) عالمية وهى: بحيرات البردويل، والبرلس، وقارون، والريان، بالإضافة إلى احتواءها على العديد من الأراضى الرطبة الهامة منها على سبيل المثال: نهر النيل، وبحيرة ناصر، والمناطق الساحلية، والسبخات والملاحات، والبحيرات الشمالية، والتى تم إعلان أجزاء منها كمحميات طبيعية مثل: محميات أشتوم الجميل.
الأراضي الرطبة الصحية تساهم في التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه
من المعلوم أن الأراضي الرطبة تعزل كميات هائلة من الكربون وتخزّنها وتمثل عاملا مساعدا للحد من الزيادة المتنامية لغازات الدفيئة في الغلاف الجوي إذا ما تمت حمايتها من المضايقات البشرية. ولكن في المقابل، وبمجرد تجفيف الأراضي الرطبة أو حرقها، فإنها تتحول إلى مصدر هام للغازات الرئيسية المسببة للاحتباس الحراري، وهي ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز، والتي تطلقها في الجو.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجفاف يُضعف قدرة الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة على تقديم خدماتها المعتادة الأخرى مثل الإمداد بالمياه وتحسين نوعيتها والسيطرة على الفيضانات والحماية من العواصف وما يترتب عليها من آثار إيكولوجية وإجتماعية وإقتصادية وخيمة.
كما تعتبر شبكات الأراضي الرطبة ممراتٍ رئيسية ونقاط إنطلاق تسمح لأنواع الحيوانات بالإنتقال إلى المناطق الأكثر برودة، مما يساعدها على التكيف مع إرتفاع درجات الحرارة.
ولذلك، فإن استعادة التربة والأنظمة البيئية المتدهورة في الأراضي الرطبة يجعلها تتمتع بإمكانيات عالية لتخزين الكربون في التربة وجعلها تعمل مرة أخرى كمخازن لثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي. وتشير استعادة الأراضي الرطبة إلى عملية المساعدة أو السماح باستعادة أو استرجاع الأراضي الرطبة من حالتها المضطربة أو المتدهورة أو المدمرة أو المتغيرة التي تسببها الأنشطة البشرية، لحالتها الفطرية، أو استعادة التنوع البيولوجي المفقود أو الخدمات الإيكولوجية. فعملية الاستعادة مهمة بشكل خاص للحفاظ على مقدرة النظم الإيكولوجية في توفير الاحتياجات الحالية والمستقبلية لملايين البشر، وكذلك تحسين الدورات والعمليات البيوجيوكيميائية، وصيانة التنوع البيولوجي المهدّد. كما تمثل نواتج الأراضى الرطبة في النظم البيئية ذات الإنتاجية العالية كالأسماك وأشجار المانجروف والحشائش البحرية والتي تعتبر مواقع لتكاثر الأسماك وحضانات الزريعة علاوة على دورها كمصادر لتغذية أحواض المياه الجوفية وتخزين المياه العذبة وكحواجز دخول المياه البحرية (تحت السطح) إلى أراضي الدلتا الزراعية ويوجد في مصر العديد من محميات الأراضي الرطبة .
ما الأسباب التي تجعل الأراضي الرطبة في خطر؟
تُعتبر الأراضي الرطبة أحد أكثر الموائل المعرضة للخطر على كوكبنا. مثلاً، بحلول عام 2000، خسرت الأرض حوالى 85 في المئة من الأراضي الرطبة التي كانت موجودة عام 1700، واستُنزف الكثير منها إفساحاً في المجال أمام العمران أو الزراعة أو غيرها من الاستخدامات “الإنتاجية”. ونظراً إلى أنها تختفي بوتيرة أسرع بثلاثة أضعاف مقارنة بالغابات، يشكل فقدانها تهديداً وجودياً بالنسبة إلى مئات الآلاف من أنواع الحيوانات والنباتات.
دور الأراضي الرطبة في التكيف مع تغير المناخ لا يحظى بالتقدير الكافي
وتتمثل الأهمية البيئية للأراضي الرطبة حيث أنها تقوم بدور حيوى فى واجهة تغير المناخ حيث تعتبر بالوعات لغازات الكربون (الميثان) كذلك تعمل على تنقية المياه من خلال مساعدتها على إزالة مركبات النيتروجين والفوسفور التي تحملها مياه الصرف علاوة على دورها في الترفيه والسياحة البيئية من خلال أنشطة صيد الأسماك ومراقبة الطيور ورياضة الغطس في البحر الأحمر.
ووفـقا لتقييم النظام البيئي للألفية 2005، تلعب الأراضي الرطبة دوراً رئيسياً في التخفيف من آثار تغير المناخ، مما يدعم التكيف معه والصمود أمامه. فالأراضي الرطبة الخضراء والسليمة تعتبر من بين أكثر بالوعات الكربون فعالية على هذا الكوكب. ومع ذلك، فإن هذه الإمكانات الهامة التي تتمتع بها لا تحظى بالتقدير الكافي خلال وضع خطط مواجهة تغير المناخ. تختلف قدرة إمتصاص الكربون في الأراضي الرطبة المتوسطية بحسب الأنظمة البيئية المختلفة، كما هو الحال بالنسبة الى إنتاجيتها و الهيدرولوجيا خاصتها. ومع ذلك، تُعد منابت الأعشاب البحرية من أهم بالوعات الكربون والذي يشار إليه بالكربون الأزرق.
منطقة البحر الأبيض المتوسط: نقطة ساخنة لتغير المناخ
تُسجل منطقة حوض المتوسط إرتفاعًا في متوسط درجات الحرارة بواقع 1.4 درجة مئوية منذ بداية العصر الصناعي، وهو ما يزيد كثيرا على المتوسط العالمي. وهذا الإرتفاع، جنبا إلى جنب مع أنماط هطول الأمطار المتغيرة وإرتفاع مستوى سطح البحر، يؤثر بشدة على المنطقة التي تعاني أصلا من نقص المياه والاستغلال المفرط للموارد المائية.
ومع الجهود الضعيفة الحالية لحماية المناخ، من المنتظر أن يزداد تأثر منطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا خلال العقود المقبلة بـ:
زيادة الإحترار بوتيرة أسرع من المتوسط العالمي
تراجع محتمل لمعدل هطول الأمطار في معظم الأجزاء
إرتفاع شديد لموجات حرارة الصيف.
كثافة الأحداث المتطرفة كتوالي الجفاف وكثرة الفيضانات.
إرتفاع مستوى سطح البحر بمعدل أسرع من ذي قبل مما يؤدي بدوره في المستقبل إلى زيادة تواتر الفيضانات الساحلية والتأثير على الخط الساحلي في دلتا المتوسط وبحيراته بسبب زيادة التعرية.
جفاف العديد من الأراضي الرطبة أو تحولها من دائمة إلى مؤقتة.
أن سوء إدارة الأراضي الرطبة يجعلها سببا في انتشار بعض الغازات الدفيئة المسببة لتغير المناخ كما أن تغير المناخ يؤدي إلى تدهور الأراضي الرطبة بسبب هشاشة هذه النظم الايكولوجية و عدم قدرتها على التكيف كما يخلف كل من تغير المناخ و تدهور الأراضي الرطبة آثار على البشر المعتمدين في معيشتهم عليها. إن العديد من الآثار المترتبة والبادية بالفعل للعيان كالتغيرات الحاصلة في النظم البيئية سينعكس سلبا على المجتمعات التي تعتمد عليها في سبل عيشها. فهذه التغيرات يصاحبها غالبا فقدان محتمل للفوائد التي تقدمها كتوفير الغذاء والحفاظ على التنوع البيولوجي. كما أن تعرض العديد من الأراضي الرطبة لخطر الزوال لا يؤثر فقط على الإنسان، وإنما من شأنه أن يهدد أيضا أنواع النباتات والحيوانات النادرة المهددة بالانقراض التي تحتمي بها.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم