نقدم اليكم وجهة نظر الفكر الاقتصادي بخصوص تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي بعرض الآراء المؤيدة والآراء المعارضة مع تقديم حجج كل طرف لتدعيم وجهة النظر، وتوضيح صور تدخل الدولة عبر تطورها التاريخي وهي تؤدي دورها الاقتصادي، ويهدف أيضا إلى تبيان المعايير الكمية التي تجعلنا نميز ما بين الحد الأعلى والحد الأدنى للتدخل وكذا مبررات هذا التدخل بما يحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المرغوبة، كما يهدف إلى بيان تأثير العولمة على طبيعة الدور الذي تلعبه الدولة لتحقيق التنمية، وأخيرا تناول البحث الآلات الجديدة لتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي في ظل العولمة، لان هذه الأخيرة نتج عنها وضع اتسم بتحول في وظائف الدولة بتخليها عن بعض الوظائف القديمة مقابل الاضطلاع بوظائف جديدة.
يعتبر موضوع تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي من الموضوعات التي تناولها المفكرون الاقتصاديون بالدراسة والتحليل منذ القدم إلى غاية اليوم، وهذا مرده إلى المكانة التي تحتلها الدولة في امتع باعتبارها المدبر والمنظم لشئونه وتغلغل أجهزتها ا في شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولقد أصبح واضحا بان للدولة دور كبير في قيادة وتوجيه الاقتصاد بما يحقق الأهداف التنموية، وهذا ما حدث في الكثير من الدول التي تبنت التخطيط كوسيلة للتنمية الاقتصادية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، سواء الرأسمالية منها كإنجلترا وفرنسا وهولندا وإيطاليا، أو الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي( سابقا ) والصين،
ورغم اختلاف الاقتصاديين في كيفية و في حجم التدخل، فاهم متفقون على أن هناك حدا ادني من التدخل يجب على الدولة أن تقوم به، ولذلك اختلفت صور وطبيعة وحجم هذا التدخل من دولة لأخرى ومن حقبة زمنية إلى أخرى، نظرا للمستجدات التي طرأت على الساحة الدولية وكذا بفعل الكثير من المتغيرات الفكرية والوقائع الاقتصادية، والمتتبع لأدبيات الفكر الاقتصادي يلاحظ بأنه ومنذ أن ظهرت الأفكار الكينزية بدأت الدول تتدخل أكثر في النشاط الاقتصادي بما فيها البلدان الرأسمالية الصناعية، فامتلكت الدولة بعض الصناعات الهامة،
كما ارتفع الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية وتم تدعيم المواد التموينية لأصحاب الدخل المحدود وارتفع الإنفاق الاستثماري في الأشغال العامة وارتفعت نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وحتى البلدان النامية تأثرت ذه الأفكار حيث ظهرت بعض نظريات التنمية الخاصة ا التي تحث الحكومات على التدخل الواسع في النشاط الاقتصادي للتخلص من التخلف وتحقيق التنمية الاقتصادية، فالدولة لا يمكن لها أن تكون حيادية حتى ولو اجتهدت في ذلك حتى مع انحسار دورها مع بزوغ نجم الرأسمالية ،
فما تزال الدولة تلعب دورا محوريا حتى في أكثر النظم الرأسمالية في العالم المعاصر وهو ما تشهد به العديد من التطورات الدولية في الوقت الحالي، سواء من خلال الأزمات الاقتصادية والمالية أو من خلال الآلات الجديدة التي أصبحت تضطلع والتي فرضتها عليها ظاهرة العولمة وتلعب الأسعار، من خلال الإشارات والمعلومات التي ترسلها، دورا آخر يتمثل في توجيه العارضين إلى إنتاج السلع والخدمات المطلوبة من المستهلكين، وتدفع السوق بذلك إلى حالة توازن مثالي (إشباع أكبر قدر من حاجات المستهلكين باستعمال الموارد المتوفرة). ونقيض اقتصاد السوق هو الاقتصاد المخطط أو المركز (الاقتصاد السوفياتي نموذجا)، حيث إن الدولة هي التي تقوم بتخصيص الموارد وتحديد السلع والخدمات التي سيتم إنتاجها، وبأي كميات، وتباع وفقا لأي أسعار.
ويوجد نظام اقتصادي وسيط بين الاثنين يدعى الاقتصاد المختلط، يمزج بين الاعتماد على السوق والدولة معا، وهو المعتمد في معظم بلدان العالم.
وتختلف درجة تدخل الدولة في إطار نظام الاقتصاد المختلط والأشكال التي يأخذها هذا التدخل (الضبط والتقنين، وتحديد بعض الأسعار، والمساهمة في الإنتاج…) من بلد إلى آخر، حسب خصوصيات كل بلد ودرجة نضج مؤسساته وعمق أسواقه ومدى تغول ثقافة المبادرة الحرة بين سكانه. وتعد الصين (إلى حد ما) نموذجا عمليا يمثل اشتراكية السوق بالنظر إلى أن جزءًا هاما من الشركات المنتجة لا تزال في ملكية الدولة، لكن الأولى هو وصفها بالاقتصاد المختلط ما دام الأفراد (بما في ذلك الأجانب) يملكون شركاتهم الخاصة، ويعيش القطاع الخاص إلى جانب القطاع العمومي.
الحوافز والفعالية
يؤمن أنصار اقتصاد السوق بأن الربح المادي هو أكثر الحوافز فعالية وقدرة على حث الإنسان على العمل والإنتاج والمخاطرة والاستثمار، وأن سعي جميع الأفراد نحو تحقيق مصالحهم الشخصية ضمين ببلوغ المصلحة العامة للمجتمع.
ويرى هؤلاء أيضا أن السوق هو أحسن وسيلة للتنسيق بين المنتجين والمستهلكين وضمان الوصول إلى حالة التوازن، بخلاف الاقتصاد المخطط الذي يعرف فيه الإنتاج اختلالات دائمة بين فرط في إنتاج بعض السلع ونقص في إنتاج أخرى.
لكن واقع التجربة البشرية يشهد أن اقتصاد السوق لم يكن أحسن حالا من الاقتصاد المخطط بكثير، فالبلدان التي تبنت نظام اقتصاد السوق تعرف أزمات دورية غدت جزءًا من المشهد الاقتصادي، وما أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة منا ببعيد.
ولهذا فإن اقتصاد السوق لا يضمن الكفاءة وأفضل النتائج إلا من خلال تدخل محدود (يقل أو يكثر حسب كل حالة) للدولة في الحياة الاقتصادية. وذلك عبر آليات الضبط والتقنين والتوجيه من أجل تحسين سير الأسواق وتوفير المنافسة فيها وتحصينها من تجاوزات بعض المتدخلين.
ويكون تدخل الدولة أيضا من خلال إنجاز المشاريع الكبرى المهيكلة (البنيات التحتية، والصناعات الثقيلة، والبحث العلمي…) التي يعجز القطاع الخاص عن تنفيذها والتي تشمل آثارها الإيجابية كل الاقتصاد. وهذا الذي يفسر حضور الدولة (بتفاوت) في اقتصاد العديد من البلدان في العالم بما في ذلك بعض البلدان المتقدمة مثل ألمانيا وفرنسا واليابان. دور الدوله فى الاقتصاد الحر؟ألا تتدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية الحاصلة على أرضها وأن تترك الأسواق تضبط نفسها بنفسها، فهذا يعني أنّ هذه الدولة تعتمد النظام الاقتصادي الحرّ. ماذا يعني ذلك؟ وما هي مترتبات هذا النظام؟ اقتصاد السوق أوالاقتصاد الحر أو الاقتصاد الرأسمالي، تسميات عديدة لها معنى واحد وهو النظام القائم على حرية الفرد، بما يعني له الحق بالقيام بأي نشاط اقتصادي يريده، ويقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والمبادرة الفردية.إنّ تفاعل العرض والطلب في السوق هو حجر أساس هذا النظام وهو الذي يتحكم بالأسعار، فضلاً عن المنافسة الحرة التي تلعب دوراً مهماً في التحكم بالأسعار وتحررها من أي قيود يمكن للدولة أن تستخدمها.ومع ذلك فإن اقتصاد السوق لا يعني بأي شكل من الأشكال غياب القطاع العام ودور الدولة في تنظيم الحياة الاقتصادية. وقد تمت إعادة تقييم اقتصاد السوق بعد الأزمة المالية العالمية الحادة أواخر عام 2008، ودخلت الى منظومة الاقتصاد الحر اجراءات كانت تنسب للاشتراكيين، ومنها مثلاُ التأميم الذي اتخذته ادارة الرئيس باراك أوباما في عملية كبح الانهيار المالي في أكثر الدول الكبرى اعتماداً على الاقتصاد الحر.وبهذا تكون أبرز خصائص هذا النظام هي ملكية الأفراد لعناصر الإنتاج، ويعترف القانون بهذه الملكية ويحميها. فالمالك له مطلق الحرية في التصرف فيما يملك، وله الحق في استغلاله في أي مجال طالما لا يتعارض مع القانون.فيمكن أن يوظف أمواله وما لديه في النشاط الزراعي أو الصناعي أو يتركه عاطلاً، فهو له مطلق الحرية فيما يملك. ومن أهم الوظائف التي يؤديها حق الملكية الخاص لعناصر الإنتاج أنه يدفع باتجاه الادخار.ويعد حافز الربح الدافع الأساسي لزيادة الإنتاج، وهو المحرك الرئيس لأي قرار يتخذه المنتجون. ويؤدي التنافس بين المنتجين فيما بينهم وبين المستهلكين فيما بينهم إلى الاستغلال الكفوء للموارد الاقتصادية، حيث تؤدي المنافسة، نظرياً، إلى توفير السلع بأحسن جودة وأفضل الأسعار.أما أبرز عيوب هذا النظام التي كشفتها التجارب، فهي: نمو ظاهرة الاحتكار بمعنى الهيمنة على بعض القطاعات والتحكم بأسعارها، سوء توزيع الدخل والثروات بحيث تصبح الهوة كبيرة جداً بين الطبقتين الغنية والفقيرة. إضافة الى تزايد البطالة والتقلبات الاقتصادية بحيث يزداد حجم النشاط الاقتصادي في فترة معينة ويشهد انتعاشاً ملحوظاً وفي فترة أخرى يتقلص ويسبب الكساد والركود. وكذلك، تبين أن الاقتصاد الحر يزيد من الأزمات الاجتماعية خصوصاً لدى الفئات الهشة.
اول دور تلعبه الدولة في الاقتصاد هو حماية تطبيق القانون والنظام العام، واللذين بدونهما لا يمكن لاقتصاد السوق العمل أو الاستمرار. ذلك أن الدور الذي يلعبه وجود شبكة موثوق بها من القوانين هو نفس الدور الذي تلعبه الأسعار في الاقتصاد، كما أن وجود تلك الشبكة من القوانين لفهم وملاحظة ما يحدث في الأماكن التي لا يوجد فيها مثل تلك الشبكة من القوانين. فالدول التي تكون حكوماتها غير فعالة أو تسلطية أو فاسدة يمكن أن تظل فقيرة بالرغم من وفرة الموارد الطبيعية، بسبب عدم رغبة المستثمرين الأجانب أو المحليين في المخاطرة باستثماراتهم الكبيرة المطلوبة لتطوير الموارد الطبيعية إلى منتجات تؤدي لزيادة رخاء تلك الدول.
كما أن ” تعطيل القانون ” له تكاليفه الباهظة على الاقتصاد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن قدرة الجهاز البيروقراطي على إحداث هذا ” التعطيل ” عادة ما يعني وجود فرصة لهم لجمع الرشاوى للإسراع بإنجاز الأشياء المطلوبة – وهو ما يضيف إلى زيادة تكاليف أداء الأعمال. وهذا يعني بالمقابل أسعار أعلى للمستهلكين، وبالتالي مستويات أقل للمعيشة بالنسبة للبلد ككل.