ونحن نستقبل عيد الاضحى المبارك يتذكر المسلم خطبة عرفة التي ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من مائة ألف حاج جاءوا من أنحاء الجزيرة العربية يؤدون هذه الشعيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال لهم وهو يؤديها ” خذوا عني مناسككم ” فمما روي في ذلك ما قاله الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضوان الله عليهما :
رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَرْمِي علَى رَاحِلَتِهِ يَومَ النَّحْرِ، ويقولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه” .فقد صوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما أحدثه العرب في الحج وآراهم كيف يحجون كما أقر في قلوبهم قاعدة فقهية عظيمة يلجأ إليها المسلمون كلما ضاقت عليهم الأمور وقد استنبطها علماء الأصول ألا وهي قاعدة ” المشقة تجلب التيسير ” من خلال قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله في مسألة اضطر فيها إلى تقديم بعض ما يجب تأخيره أو تأخير ما يجب تقديمه ” إفعل ولا حرج”
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقتُ قبل أن أذبح؟ فقال: «اذبح ولا حرج» فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: «ارم ولا حرج» فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: «افعل ولا حرج». ومعنى لم أشعر أي لم انتبه
أما ما صوبه لهم فكان الإفاضة التي غير مكانها القرشيون فجلعوا لأنفسهم مكانًا غير “عرفة” فكانوا يقفون في المزدلفة فنزل قوله تعالى : ” ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”
أما خطبته فقد ألقاها فوق جبل الرحمة وهو يركب ناقته القصواء، وبدأها بقوله : أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبيّن لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا..” ثم ركز على موضوعات إن صلحت في حياة الناس تحقق للمجتمع أمنه الاجتماعي والنفسي وهي موضوعات نزل فيها قرآن قبل ذلك وتناولتها أحاديثه النبوية صلوات الله وسلامه عليه لكنه أراد أن ينبه عليها ويوصي بها لما لها من شأن فذكرهم بحرمة الدماء وحرمة الأموال وحرمة الربا وحقوق النساء والالتزام بقواعد الميراث التي انزلها الله لأن الأموال والدماء هما ما يقاتل عليها الناس غالبا وإذا أحسن التعامل فيهما حسن المجتمع وإذا أسيء التعامل فيهما اختلت المجتمعات ولأن حقوق النساء والميراث سيدور حولهما جدل كثير ،كأنه يخبرنا بما يحدث في زماننا، فقال صلى الله عليه وسلم :
أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها”.
أما البشارة التي بشر بها صلى الله عليه وسلم فكانت بقاء الاسلام الى أن يرث الله الأرض وما عليها وأن الله أكمل للمسلمين دينهم مشيرا إلى أن الشيطان سيتجه إلى الوسوسة لهم في أمورغير التوحيد لأنه يأس من إخراجهم من دينهم فقال لهم:” أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم”
ثم أوصاهم بالنساء وكأنه يحدثم مما سيحدث حول النساء من لغط وجدل فقال لهم “أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة..”،
ثم حدثهم عن الميراث وأحكامه التي لايجوز أن تتغير بعد أن حددها الله تعالي فقال : أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم