كانت آياتُ القتال في القرآن الكريم مدخلاً للطعن والتهوك، لكل ذي فهم سقيم أنوك… فيؤولها المستشرقون واللادينيون كما تتراءى لهم أنفسهم ، وتتخلب بها أفئدتهم، فيخُلصون ماهيتها ويُلخصون جملتها في استباحة المسلمين لدماء كافة المختلفين معهم شرعةً ومنهاجاً…
والحق أن الجهل باللغة لفظاً ومعنى، هو الآكد على هذا الانبطاح العدائي الأعمى….
ولأن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نجا من التحريف ، سيظل مطمعاً للتكذيب والافتراء والتجديف ..
باديء ذي بدء :
لم ترد في آيات القتال في القرآن كله اللفظة الدلالية على فعل الأمر ( اقتلوا ) إلا في ثلاث مواطن، أولاها في سورة البقرة وهي على سبيل المُقَاتلة المشتركة مع المشركين حال بدءهم قتال المُسلمين، وكانت هذه هي أول آية نزلت للقتال بالمدينة، تعضيداً للمؤمنين الذين أخرجهم الكفار من ديارهم، وصدوهم عن المسجد الحرام ، وضيقوا عليهم السياحة في الأرض لنشر دعائم التوحيد ( واقتُلُوهُم حيثُ ثَقفتُمُوهُم وأَخرجُوهُم من حيثُ أخرَجُوكُم ، والفتنَةُ أشَدُ منَ القَتل، وَلَا تُقَاتلُوهُم عندَ المَسجِدَ الحَرّام حتَى يُقَاتلُوكُم فِيه، فَإن قَاتَلُوكُم فَاقتُلُوهُم كَذَلكَ جَزاءُ الكَافرين ) البقرة191، واستتبعت الآية بقوله تعالى( فإن انتَهُوا فَإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيم ) البقرة 192 ، والثانية في سياق متصل بسورة النساء عن أهل النفاق الذين يؤيدون ويعاضدون الكفار سراً ( فَإن لَم يَعتَزِلُوكُم وُيُلقُوا إليكُم السّلَم وَيَكُفُوا أيدِيَهُم فَخُذُوهُم وَاقتُلُوهُم حَيثُ ثَقفتُمُوهُم وَأولَئِكَ جَعَلنَا لَكُم عَلَيهِم سُلطّاناً مُبِيناً) النساء 91 ، فيما كان الموضع الثالث بسورة التوبة في الآية الخامسة ، المسماه بآية السيف، ضمن سياق خاص يتعلق بمشركي العرب جاحدي الزكاة وعابدي الأصنام، أو ما ماثلهم من مانعي الجزية، ورجحان ذلك سَيرهَا في سيَاق متعلق بزوال الأشهر الحرم ( فإذَا انسَلخَ الأشهُرِ الحُرُمِ فَاقتُلُوا المُشركينَ حَيثُ وجَدتُمُوهم وخُذُوهُم وَاحصُرُوهُم واقعُدوُا لهُم كُل مَرصد فَإن تَابُوا وأقَامُوا الصَلاة وآتوُا الزَكاة فخَلُوا سَبيلَهُم إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيم ) وهي لم تَنسَخ آية السلم والصفح والموادعة في سورة الأنفال، وبهذا قال أساطين المُفسرين والمُحدثين ( البخاري وابن حجر العسقلاني وابن تيمية وبدر الدين الزركشي وابن كثير والطبري ورشيد رضا ) ….
بينما كانت الشرائع المُحَرّفة أسفاراً وإصحاحات ، مرتعاً للتحريض على قتل المسلمين بصيغة فعل الأمر المُباشر نساءً وأطفالاً ورضعاً، فضلاً عن الحيوانات والجماد ( اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً ) ( اقتل الرجال والنساء، والأطفال والرضع، والبقر والغنم، والجمال والحمير ) سفر صموئيل الأول 15 2-3.. ( قتل المرأة والطفل والشيخ والبقر والغنم والحمير بحد السيف) يشوع 21:6 ( تحطيم الأطفال ونهب البيوت وفضح النساء بدون رحمة وقتل ثمرة البطن الجنين ) اشعياء الاصحاح 13 وعلى وزن صيغة الأمر في اقتلوا ، قابلتها لفظة فعل أمر في كلمة احرقوا ( واحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها، إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد اجعلوها في خزانة بيت الرب) سفر يشوع 6:24 …
كان هذا هو حال الشرائع المُحرّفة، ومثلها في سلوك التتار والمغول والفرس مع المسلمين خصيصاً…
أما القُرآن الكريم فقد فرّق بين اقتلوا لزوم فعل الأمر، وقَاتلوا كصيغة مفاعلة، لأسلوب المقاومة، فكانت المُقّاتَلة على وزن المُفّاعلة، هي الآكدة الغَالبة على آيات القتال في القرآن الكريم… وتُصرف على وجه جواب شرط مقرون بأداة شرط.. على نحو ( إن قاتلوكم فاقتلوهم، اقتلوهم كما يقاتلوكم، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )
وهذا هو السائد عن آيات القتال في القرآن الكريم كله ناسخاً ومنسوخاً، مدنياً ومكياً…
ثم إن أعداء الدين تركوا كل آيات السلم والموادعة ، وتشبثوا بالآية الخامسة من سورة التوبة، كذريعة يَنفُثُون بها سُمُومِهم في وجه الدين السمح الحنيف :
فأي بيان أنصع للموقنين، وأصفع لغير المؤمنين، من هذا الذكر الحكيم ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حَكيم حميد “”
وهذا ما اصطلحت عليه تتمة آيات القتال في الكتاب المبين عدلاً وإنصافاً لا جوراً وإجحافاً ::
( وقَاتلُوا في سَبيلِ اللّهِ الذينَ يُقَاتلُونَكُم وَلا تَعتَدُوا إنّ اللّهَ لَا يُحبُ المُعتَدين ) البقرة 190
( فمَن اعتَدَى عَليكُم فَاعتَدوُا عَليهِ بمثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم واتَقُوا اللّهَ واعلَمُوا أنّ اللّهَ مَعَ المُتَقين ) البقرة 194
( وَقَاتلُوا المُشركِينَ كَافةً كمَا يُقَاتلُونَكُم كَافةً واعلَمُوا أنّ اللّهَ معَ المُتَقين ) التوبة 36
( وإن أحَدٌ منَ المُشركينَ استَجَارَكَ فَأجِره حتَى يَسمَعَ كَلَامَ اللهَ ثُمَ أبلغهُ مَأمَنَه ذَلكَ بأنَهُم قَومٌ لَا يَعلَمُون ) التوبة 6
( فَمَا استَقَامُوا لَكُم فَاستَقيمُوا لَهُم إنّ اللّهَ يُحبُ المُتَقيِن ) التوبة 7
( وإن جَنحُوا للسّلم فَاجنَح لَهَا وَتوَكل علَى اللّه إنَهُ هُو السَميعُ العَليم ) الأنفال 61
( لا يَنهَاكُم اللّهُ عَن الذينَ لَم يُقَاتلُوكُم في الدينِ ولَم يُخرجُوكُم مِن دِيَارِكُم أن تَبَرُوهُم وتُقسِطُوا إليهِم إنّ اللّهَ يُحبُ المُقسطِين )
( إنمَا يَنهَاكُم اللّهُ عن الذينَ قَاتَلُوكُم في الدينِ وأخرَجُوكُم مِن ديَارِكُم وظَاهّرُوا علَى إخرَاجِكُم أن تَولُوهُم ومَن يَتَولَهُم فَأولَئِكَ هُم الظّالمُون) الممتحنة 8 و 9