رواية من أمريكا اللاتينية ، قرأتها في ثمانينات القرن المنصرم ، تحولت إلى فيلم سينمائي ، اسمها ( انهم يقتلون الجياد ) وبعض التراجم تعنونها ( إنهم يقتلون الخيول ) ولا فرق بينهما سوى بالترجمة ، إلاّ أن الجياد توحي إلى معنى أكبر ، وهي من أفضل وأجمل وأحسن أنواع الخيول ، تلك التي تعطي كلّ شيء وتملك مهارة وسرعة في الجري والعمل ، ومَنْ يقتلها لا يريد الخير لأصحابها وأن لا يستمرّوا بالنجاح أبداً، كُتِبَتْ هذه الرواية رداً على أفعال المستعمرين والغاصبين وإقطاعيي الأرض الذين استولوا عليها بقوة السلاح !!
تذكّرتُ هذه الرواية ، وأخريات مشابهة لها في المعنى والطرح ، كما تذكرت قصة الكاتب السوري ( زكريا تامر ) المسماة ( النمور في اليوم العاشر ) وغيرها ، وأنا أشاهد وأقرأ وأسمع ما يحدث للصحفيين والاعلاميين وما تعلنه الأخبار هنا وهناك من مضايقات وغيرها !!
الشاعر والكاتب والصحفي والإعلامي لسان حال الآخرين ، وناقل أمين للحقيقة في كل مكان ، ولا يمكن نسيان ما جرى للصحفي الفرنسي المعروف ( ريجيس دوبريه ) حينما أعتُقلَ وحُكِمَ عليه بالسجن المؤبد بتهمة وقوفه ومساعدته وعمله مع الثائر العملاق جيفارا ، وكيف وقف معه أحرار العالم من أدباء ومفكرين وصحفيين وفنانين مطالبين بإطلاق سراحه من خلال الكتابات والتظاهرات والخطابات والتجمعات والمعارض المنادية بالعفو عنه ،وقد تم الرضوخ لصوت الحقيقة من قبل الديكتاتورية العسكرتارية الموالية لأمريكا هناك وأُطلق سراحه ، ليكتب أروع مذكراته وحكاياته حين التقى بجيفارا وظل معه فترة من الزمن !!
كما لا يمكن نسيان وقوف الأدباء والفنانين والصحفيين مع كومونة باريس وثوّارها الطلبة رغم إخفاقها أخيراً ، ووقوفهم ومشاركتهم في الدفاع عن الديمقراطية الحقيقية في الحرب الأهلية الاسبانية ضد ديكتاتورية فرانكو الدموية ، وأيضا وقوفهم بشكل صلب وحقيقي مع انتفاضة تشيلي وغيرها !!
كل هذا يعطينا دليلا قويا على أن الشاعر والكاتب والاعلامي مرايا الحقيقة وصوتها الهادر في كل زمان ومكان ، مضايقتهم وتكميم افواههم هو قتل وإسكات لهذا الصوت ، علينا أن نكون إلى جانبهم ، وأقصد على القوات الأمنية بكل صنوفها أن تحميهم وتحافظ عليهم وتردّ عنهم كل غائلة لأنهم الثروة الحقيقية للوطن !!
كم من صحفيٍّ وأديبٍ وفنانٍ وناشطٍ قد اغتيل أو أختطف دون كشف الفاعلين ؟!
وكم من دماءٍ بريئةٍ هدرت دون كشف الفاعلين ؟!
وكم من جيادٍ لا يجود الزمان بمثلها عُقِرت ، وقُتلت دون كشف الفاعلين ؟!
علينا أن نعي جيداً احتياج الوطن إلى جياده وخيوله الأصيلة الذين يسطّرون تأريخه على مرّ الزمن ،وان لانستمع للصوت النشاز الحاقد ابدا ،،لأن الشعراء والكتّاب والاعلاميين هم الإرث الحقيقي الوطن .