ليس بالضرورة أن يصل الإنسان إلى النجومية من خلال أعمال وسلوكيات محددة تلهث وراءها وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة والتي أصبحت ضرورة من ضرورات الحياة ، ففي كل مدينة وفي كل قرية وفي كل نجع من هذا الوطن الصامد عبر القرون الممتدة في جذور التاريخ وما قبله هناك رجال بسطاء صنعوا بأخلاقهم وصدقهم ومبادئهم ما لم يصنعه كبار القادة والمفكرين ، بل ورسموا لمن جاء بعدهم دروبا تحفظ سالكيها من السقوط في متاهات الحياة المتشعبة ، فصاروا أمثلة يستعين بها الكتاب والمؤرخون لتسجيل صفحات الحياة الاجتماعية في مختلف العصور .
وللأقلام الصادقة دورها في اكتشاف هؤلاء والإشادة بهم وذكر محاسنهم وما يقدمونه لبلادهم من عون صادق ، لأن الأوطان لا تصمد إلا بهم ولا يتحقق السلام الداخلي والأمن الذاتي والمجتمعي إلا بمثل هؤلاء ، وفي الآية ١٠٥ من سورة التوبة يقول الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم ( وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكُم ورسولُه والمؤمنونَ وستردون إلى عالِمِ الغيبِ والشهادةِ فينبُئكم بما كنتم تعملون ) فهذا أمر صريح للنبي بأن يأمرنا بحسن العمل وكذلك أهمية تقدير المؤمنين لصاحبه حتى ينتشر السلوك الحسن والعمل النافع بين أفراد المجتمع .
ومن تلك النماذج التي تفخر بها مصر وتفخر بها الإنسانية هذا التاجر الذي يفعل بسلوكه ومعاملاته ما يعجز الكثير من الدعاة والمصلحين عن القيام به ، محمد ضاحي ، رجل من أبناء محافظة سوهاج بصعيد مصر ، يقيم بمنطقة جزيرة دار السلام بالقاهرة ، مسكنه بالقرب من محله الذي يقع أمام مسجد الجمعية الشرعية بشارع الفتح وهو أكبر وأهم شوارع المنطقة ، يبيع فيه الخضروات والفواكه ، حرص منذ قدومه للقاهرة على الاحتفاظ بأخلاق ومبادئ بيئته التي نشأ فيها ، الشهامة التي يذكره بها كل من يعرفه ، الكرم الذي يعد من عجائب هذا الزمن ، الهدوء الذي يفصح عن إيمان راسخ وعميق بربه ، الابتسامة الصافية التي لا تغادر وجهه ، احترام الناس وتقديرهم ، ولا ننسى أيضا مداعبته لأصدقائه والمحيطين به لكنها دعابة لا تجرح سمعا ولا تترك إلا الأثر الطيب .
أما عن تعامله مع الزبائن فهو مثال للتاجر الذي يصدق عليه الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي سعيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء ) فهذا الرجل يألفه الجميع كبارا وصغارا ، كل السلع لديه فائقة الجودة تعلن عن نفسها بلا صخب ولا ضجيج ولا نداءات متواصلة مزعجة كما يفعل التجار في كل مكان ، يترك المشتري يختار كما يشاء دون إزعاج أو استعجال ، الأسعار لديه معتدلة جدا بل هي من أقل الأسعار في هذا السوق المزدحم طوال اليوم ، لا يعرف الغش مطلقا فالميزان لديه يستوفي تماما بل ويزيد مما يجعل الناس مقبلين عليه بكل حب وسعادة ، لا يخيف طفلا ولا ينهره ولا يضع له بعض الثمرات الفاسدة مثلما يفعل كثير من أهل هذه المهنة ، يتنازل عن حقه في بعض العملات البسيطة حينما يتعثر وجودها مثل الجنيه أو النصف او خلاف ذلك بكل هدوء وسماحة .
أما عن علاقة محمد ضاحي بربه سبحانه وتعالى فهذا الأمر هو شغله الشاغل وهو سر اطمئنانه لكل ما كتبه الله تعالى ، اليقين الثابت الذي لا يتزعزع ، فهو من السابقين إلى الصلاة مهما كانت حركة البيع والشراء ، عندما يبدأ المؤذن تراه يترك بضاعته وكل شيئ في محله كما هو ، يسارع الخطى ليكون ضمن الصف الأول ، يعود بعد الصلاة بخطوات هادئة ليجد جمعا من الناس ينتظرونه لشراء متطلباتهم برغم إمكانية شرائها من تجار آخرين لا يؤدون الصلاة ، لكنهم لا يطمئنون إلا لهذا الرجل وهذا المكان ولهم في ذلك أسباب كثيرة سبق ذكرها .
لقد سطر محمد ضاحي حروف اسمه في قلوب المتعاملين معه وهو خير مثال للمصري الأصيل الذي يعشق هذا الوطن ويدافع عنه دفاعا مستمرا بأفعاله وبأخلاقه ، هذا الدفاع عن السلم والأمن الداخلي والاستقرار الاجتماعي لا يقل أبدا عما يقوم به الجندي الصامد على جبهات الدفاع المنتشرة على حدود الوطن ، ولا ننسى أن التاجر الأمين يعين في حل الأزمات الاقتصادية التي تطل على شعوب العالم ومنها شعبنا الطيب المكافح من أجل لقمة العيش ، وفي ظل الأزمات التي يخلقها بعض التجار الذين ماتت ضمائرهم من احتكار إلى غلاء إلى غش في الكم والكيف نجد أننا في أمس الحاجة إلى محمد ضاحي وأمثاله من الأمناء الشرفاء الذين بجب الحديث عنهم وإظهارهم كنماذج تعلو بها الاوطان وتنتصر على كل العقبات ، وفي الختام ندعو لمحمد ضاحي بالبركة في العمر والصحة والرزق والأبناء وأن يمنح الله بلادنا مئات بل آلاف من التجار أمثاله .