خلال شهر مايو 1972, وقبل أشهر قليلة من قرار الرئيس أنور السادات بالاستغناء عن خدمات الخبراء السوفيت, كان كبير الخبراء العسكريين السوفيت يحضر إحدى التدريبات الميدانية فى القطاع الأوسط من جبهة القناة يصحبه اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى , وبعد انتهاء التدريبات اصطحب سعد مأمون ضيفه لإلقاء نظرة على الشاطىء الآخر من القناة, وقبل الوصول إلى منطقة فايد طلب سعد زغلول من السائق أن يتوقف ليترجل هو وضيفه حتى كادا يلامسان مياه القناة وتصبح الضفة الأخرى على مرمى البصر بوضوح, وحدث ماتوقعه سعد مأمون, فقد اقترب منه كبير الخبراء, وقال بصوت هامس: ماهذا الذى على الشاطىء؟ هل فكرتم فى اجتياز هذا الساتر الترابى الرهيب؟ وكم من الوقت تقدرون لاجتيازه؟, ورد عليه مأمون قائلا: إن تقديراتنا لمثل هذه العملية تستغرق من3إلى 4ساعات, رغم أنه طبقا للرؤية المصرية,فإن العملية ستستغرق من 7 إلى 9ساعات, ورد الخبير السوفيتى قائلا: إن ذلك مستحيل, لأن هذه الفترة القصيرة (3-4 ساعات) سوف تكلفكم غاليا, ولن يكون بمقدور أفراد المشاة المصريين الصمود أمام القصف الجوى والمدفعى, واستطرد الخبير قائلا: عزيزى الجنرال مأمون إنكم ستضعون أنفسكم فى مأزق حرج, فسوف تحاربون كما لو كنتم فى الحرب العالمية الأولى, بينما سيحاربكم العدو بأسلوب القرن العشرين, وهنا فاجأه سعد مأمون بسؤال محرج: وهل لديك انت حل آخر؟ فرد كبير الخبراء: “لاليس لدينا حل . لأنها مشكلة عويصة جدا”, فما كان من مأمون سوى الابتسام والرد بهدوء: “إذن دعونا نفكر وسنعمل مافى جهدنا”.
وأظن أن وقائع هذا الحوار المثير على ضفة القناة هو خير دليل على أن ما أنجزناه فى حرب 6 أكتوبر 1973 أكبر من وصفه فقط بكلمة “المعجزة”, لأننا نجحنا فى خداع الجميع إلى الحد أنه لاالعدو ولا الصديق كان يتصور أننا نستطيع.
- أرقام من انتصارات أكتوبر:222عدد الطائرات التى شاركت فى الضربة الجوية الأولى للقوات المصرية – 2000قطعة مدفعية شاركت فى التمهيد النيرانى, وهو أضخم حشد شهدته الحروب – 80000إجمالى عدد المقاتلين الذين اشتركوا يوم 6أكتوبر – 2,37لحظة رفع أول علم مصرى على الساتر الترابى لخط بارليف – 200 دبابة إسرائيلية تم تدميرها خلال أعمال قتال اليوم الأول وحاصرت أكثر من 1500 جندى وضابط اسرائيلى.
- لم يكن النصر ممكنا دون تضحيات, ولم يكن غريبا على الشعب المصرى وقواته المسلحة أن يتسابق الجميع إلى الاستشهاد, الضباط والجنود والمهندسون ورجال الصاعقة وسادة المعارك من قوات المشاة, وسادة البحار من قواتنا البحرية, ونسور الجو من الطيارين الذين خاضوا جميعا معارك بطولية مع العدو طوال سنوات حرب الاستنزاف وحتى يوم العبور, وتلاحم الشعب المصرى مع قواته المسلحة فى عدد من المعارك والملاحم البطولية التى أثبتت للعالم أجمع قدرة المصريين على اتخاذ القرار, ودقة الإعداد والتخطيط, وبسالة الأداء والتنفيذ, ونحن نحتفل بمرور 51سنة على أيام النصر وكأن أحداثها بالأمس القريب نتذكر من خلالها التضحيات التى بذلها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه, وهانت أرواحهم الطاهرة الذكية, ولم تهن مكانة الوطن وأرضه فى قلوبهم, فقهروا المستحيل وضربوا أروع صور البطولات المصرية التى سجلها التاريخ بحروف من نور.
- نتذكر فى هذه الأيام البطل الشهيد ابراهيم الرفاعى الذى يعد من أعظم أبطال القوات المسلحة المصرية, ومن أشجع مقاتليها , فقد قام بعد هزيمة 5يونيو 1967 بتدمير قطار إسرائيلى عند منطقة الشيخ زويد محمل بكمية هائلة من صناديق الذخيرة, ونتذكر أيضا بطلا آخر من أبطال المخابرات الحربية المصرية هو مروان عبد الحكيم, وكان فى الأساس من ضباط الصاعقة, ويتميز بالشجاعة, وقد شعر بغضب شديد بسبب هزيمة 5يونيو وأراد أن يترك الخدمة العسكرية لولا أن اللواء محمد أحمد صادق مدير المخابرات الحربية استطاع أن يشجعه ويقنعه بالاستمرار, وقد نفذ النقيب مروان المهمة بنجاح مع 4 فدائيين ودليل بدوى من سيناء هو شلاش خالد عرابى.
- الأغانى الوطنية التى تناولت انتصارات أكتوبر كانت تحت رعاية الإذاعة والتليفزيون المصرى, فكانت وظيفة المطربين والشعراء والملحنين هى الأغانى, وكان الفنان يقدم عمله عندما يتأثر بالأحداث, وكان مصدرا لرزقهم, وأتذكر وقت الحرب تنازل الموسيقار بليغ حمدى عن أجره فى تقديم أغان وطنية ليؤكد أن الفن مثلما هو صناعة يكسب منها هو أيضا فن ومسئولية, ولاشك أن سبب ازدهار الأغانى الوطنية فى الأوقات العصيبة هو وجود الإذاعة والتليفزيون المصرى كجهة رسمية لها, بينما الآن من المسئول عنها؟
- الأوضاع الحالية المتردية فى الشرق الأوسط وعربدة اسرائيل فى غزة وغيرها من الأراضى الفلسطينية ولبنان لم تأت من فراغ, وإنما جاءت وفق مخطط غربى ساهم فيه للأسف جماعة الإخوان وكل التنظيمات الإرهابية للنيل من العرب ووأد القضية الفلسطينية, ولكن كل القرارات والتجارب التاريخية تؤكد أن هذا لن يحدث.
- يبدو أن العالم يقف على أبواب مرحلة جديدة , وأن عواصف التغيير تقترب, وأن هناك أصواتا عاقلة بدأت تخرج من رماد المعارك تطالب بإنسان أكثر عدلا وإنسانية, وأن هناك زمان جديد قادم لانستطيع أن نتجاهل ماحدث فى غزة ولبنان من آثار اهتزت بها أركان وعروش كثيرة بما فى ذلك اسرائيل التى لاأحد يعرف نهاية عصابتها الحاكمة.