وتُرّدُ الوديعةُ إلى واهبها، بعد أن استنفّذت أجلهَا ووفّت مقصد ربهَا وأدّت دورها، ونالت من الابتلاء حظها…
يَقبضُ الله وديعتهِ في ليلةٍ رمضانيةٍ مُباركة، تُماثل الذكرى التي لهج فيها المسلمون بالنصر الميمون على صناديد الكفر يوم بدر…
مات الشيخ الحويني وأحسبه قد مات على شُعبةٍ إيمانيةٍ راسخة، وثروةٍ علميةٍ سامقة..
مات حجازي محمد يوسف شريف، الاسم الحقيقي للمحدث الألمعي أبي إسحاق الحويني، الذي غلبت عليه كُنية الحويني نِسبةٍ لقريةِ حوين بمحافظة كفر الشيخ، والذي سُمي بأبي إسحاقٍ تيمناً بأبي إسحاق الشاطبي…
وأما عن أبي إسحاق الحويني الذي صعدت روحه إلى بارئها منذ هُنيهة، فأظنه قد وجد له في شطر دنياه مندوحةً في أحظوظةٍ جديرةٍ بالثناء والاقتداء، فقد وقف على عتبة القبول والترحاب من قطاعات جماهيرية عريضة، وجدت فيه الداعية الحق إلى الله، بمجموع قول الله وقول رسول الله،،
تَخلُص سيرورة الحويني في كونه نسيج وحده في روضة علم الحديث زُهاء ردحٍ من الزمان، تلك الروضة التي لم يَطؤُها في الأحقبة الأخيرة إلا من كان ذو حظٍ عظيم..
دخلها الحويني وارثاً شيخه الألباني، ومقتفياً أثره، ولاهجاً في إرثه، ومن أحسن قولاً ممن حدث عن رسول الله بصدق، وذبَ عنه الكذبَ بالحق.. في ذلكم العِلمَ الجّليل، عِلمُ الجَرح والتَعديل.. علمٌ اختصت به الأمة المُحمدية عن سائر غيرها.. وألفُ هذا العِلم وبائه وغاية منتهاه إلى يائه البحث في سنود المرويات، بدقة فاحصة …
لا جرّم أن الحويني رحمه الله قد أبلى في هذا الميدان بلاءً حسناً، وحذق هذا الفن من العلم بألمعية، وكان بمثابة حارس حدود علم الحديث لبرهةٍ كبيرة، برتبة القِدح المُعَلى…
كانت محنة الأمة الجسيمة وثلُمتها في منعطفات الزمن الحاضر، إنما في غربة علم الحديث وعلمائه وحراسه، ذلكم العلمَ النفيس، الذي يُفسر ويُبين ويُخَصِص، ويُنقح الصحيح من المُعلق من المُعضل من المُرسل من الموقوف من الضعيف من المكذوب…. حتى وهب الله للأمة المعاصرة رجلاً على منوال المحدثين الثقات دراية ورواية، اسمه أبو إسحاق الحويني…
برع الشيخ الحويني رحمه الله في علمٍ تُستبان منه أركان الحُجة، لصريح لفظه وصحيح سنده ومتنه إلى حيث العدل الضابط إلى منتهاه… رسول الله صلى الله عليه وسلم….
علمُ الحديث هو حاصل أقوال وأفعال رسول الله، وأما الراسخون فيه قلة، ويا لشرف هذا الذي انحنى فيه قوسه وشاب له شعره….
قد بسط الله لكثير من العلماء في الفقه، والفقه حمال ذو وجوه، وبسط الله كذلك علماءً في التفسير، وللمفسرين أقوال واجتهادات راجحة ومرجوحة، أما السنةَ فالمُحَاججة بها أرجح وأنجح، ولن يجد القوم في السنة محيصاً…
وأرجح علماء الحديث في نبض الزمن الأخير عالم رباني اسمه الحويني…
رحم الله الشيخ أبا إسحاق العالم المغداق
