موقفان مرا بى خلال الأسبوع الماضي، وحدثا فى يوم واحد، سأحكيهما بالترتيب.. يربط بينهما شيء واحد وهو الضعف.
الموقف الأول كنت أركب فى ميكروباص متوجها إلى القاهرة وعندما انحرف السائق يمينا باتجاه طريق شبرا- بنها الحُر، صاح أحد الركاب فى الميكروباص.. يا أُسطى أين ستسير؟! لأننى سأنزل فى منتصف الطريق.. فى مدينة قها، هل هذا الطريق سيمر عليها؟!!
هنا فتح السائق فاه على مصراعيه غير مصدق كلام الراكب.. الطريق الجديد ليس فيه أى منازل على مدينة قها، ونهاية الطريق بعيدة قليلًا عن المدينة التى يقصدها.. وللحقيقة الراكب تكلم بعد أن دخل السائق بالفعل إلى الطريق.. والذى لا رجعة فيه.. فما كان من السائق إلا أن تحايل على ذلك الموقف بمحاولة إقناع الراكب بأنه بمجرد خروجنا من الطريق يمكن أن يستقل إحدى السيارات راجعا إلى مدينة قها.
الراكب يبدو بلا حول وبلا قوة.. أو بالأحرى تراجع عند المواجهة، فوافق على الفور.. رغم أنه سيتكبد مصاريف إضافية جديدة.
يقول المفكر الفرنسى جان جاك روسو: “إن ضعف الإنسان هو الذى يجعله اجتماعيًا.. وعناصر الشقاء المشتركة بيننا هى التى تدفع قلوبنا الى الإنسانية.. فما كنا لنحس أننا مدينون للإنسانية بشيء لو لم نكن بشرًا”.. لو لم نكن ضعفاء.
الموقف الثانى نزلت من الميكروباص ودخلت إلى محطة المترو.. كان هناك أمر غريب.. المترو يبدو خاليًا من الركاب.. هذه سابقة تاريخية أراها لأول مرة.. سعدت جدًا بأن كل عربة بالمترو لا يوجد فيها إلا عدة أشخاص.. سرعان ما تحولت السعادة بسبب نقص العدد إلى ضيق وهم ونكد.
عندما وقف المترو فى محطة الشهداء، وأردت النزول لم يكن معى على باب المترو إلا شخص واحد فقط، وبدلًا من أن ينتظر الركاب الموجودون على الرصيف حتى نخرج من العربة، هجموا علينا كأننا غير موجودين، لأننا اثنان فقط، وكانوا هم أكثر عددًا وأشد قوة وبأسًا فهجموا دون انتظار لآداب النزول والصعود وركوب المترو.. أعتقد أن ضعفنا أغراهم ليلتهمونا، قلة عددنا جعلتهم لا يروننا.
تذكرت كيف لو كان المترو فى زحمته العادية وبداخل العربة العشرات الذين يريدون النزول والمغادرة، كان الركاب على الرصيف سيفسحون الطريق طواعية ومرحبين.. أما فى حالتنا فنحن اثنان فقط.. والعدد ضعيف، ولكن عندما لم يفسحوا لنا الطريق للنزول صاح الشخص الذى بجوارى فى الناس ودفعهم خارج عربة المترو.. فارتدعوا وأفسحوا الطريق.
يقول أحد علماء النفس الكبار: من ردود فعل “الضعف” اتخاذ الناس ردود فعل عنيفة فى قضايا متواضعة ـ لأنهم متعجلون!
عندما صاح الراكب فيهم وحيداً فتوقفوا عن الدخول، تذكرت بيت الشعر الذى يقول: “ولا تحتقر كيد الضعيف فربما تموت الأفاعى من سموم العقارب”.