تتكرر حوادث المرور في مصر بسبب قلة الالتزام بقواعد القيادة وسوء حالة بعض الطرق وقلة الحرص على إجراء الصيانة الدورية للسيارات. إن عدد الوفيات جراء حوادث النصف الأول من العام الجاري بلغ 1560 شخصا مقابل 1929 في الفترة المقابلة العام الماضي بانخفاض قدره 19.1 بالمئة.
كما انخفض عدد المصابين إلى 5936 شخصا مقابل 7217 بنسبة 17.7 بالمئة. ضرورة تأسيس مجلس أعلى لسلامة الطرق في مصر؛ يتمتع بالاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرارات اللازمة لحل المشكلة؛ لضمان عدم تحوله لجهاز بيروقراطي يؤدي مهمته بشكل ديكوري؛ من خلال الاجتماعات عديمة الجدوى؛ على نحو ما يحدث أحيانًا ببعض الأجهزة المختصة بهذه القضية.
أن هناك أبعاداً اقتصادية تحول دون حل مشكلة حوادث الطرق تتمثل في عدم وجود استثمارات يمكن إنفاقها علي ما يسمي تنمية مرفق النقل والمواصلات، رغم أن هذا المرفق هو شريان التنمية في كل دول العالم، فضلاً عن غياب الاستثمارات للصيانة علي مرفق النقل بالشكل الذي يساهم في زيادة عمر هذه المركبات، وعدم وجود تخطيط دقيق لشبكة مواصلات شاملة يعتمد عليها في تيسير نقل الركاب والسلع والخدمات خارج إطار منظومة النقل وصيانتها وتخطيط المدن والطرق الرئيسية كأساسيات التنمية، فإذا تم تنفيذ هذه الحلول سوف نقضي تماماً علي المشاكل المرورية بوجه عام.
فإن سلوكيات السائقين تتحمل %73 من أسباب هذه الحوادث، ويتسبب سوء الأحوال الجوية في وقوع %4 من الحوادث، بينما تتسبب وعورة الطرق وعدم سلامتها في حوادث تراوح نسبتها بين %2و%7 من إجمالي حوادث السير، كما تتسبب سلامة المركبات في نسبة قدرتها دراسات بـ %7 من تلك الحوادث وقدرتها دراسات أخرى بـ %22، بينما يتسبب استخدام “الهاتف الجوال” أثناء قيادة السيارات فيما لا يقل عن %6 من إجمالي عدد الوفيات الناتجة عن حوادث المرور طبقا للدراسات التي أجريت في هذا الشأن
كما تتوزع نسب أخرى على الإهمال واللامبالاة وعدم التركيز الذهني أثناء القيادة ناهيك عن عدم ربط حزام الأمان وسوء تقدير حجم الخطر، فضلا عن القيادة في حالة الإجهاد أو النعاس أو تحت تأثير الكحول والمخدرات. أعتقد من وجهة نظري الشخصية أن هناك أسباب أخرى تتعلق بعدة جوانب فنية وتقنية واجتماعية ، فمن الجوانب الفنية ما يتعلق :
بتصميم الطرق ، فأكثر الطرق وبخاصة الحيوية منها تم تصميمها منذ زمن بعيد حسب احتياجات ومتطلبات تلك الفترة ووفق معطيات ومعايير ذلك الزمن التي تتوافق معها من حيث حجم الكثافة المرورية والمواصفات والمقاييس الفنية المحدودة للمركبات في تلك الفترة حيث كانت سرعتها القصوى لكامل عزم المحرك لا تتجاوز140 كلم/ س وكانت هذه السرعة تتناسب مع تصميم الطريق من حيث الانحناءات والميول ومع مرور الوقت وتطور تكنولوجيا صناعة السيارات وتطورت محركات المركبات فأصبحت ذات قدرات وعزم كبيرة أدت الى زيادة سرعات السيارات حتى وصلت إلى سرعات كبيرة لا تتوافق مع الطريق.
(ارتفاع معدلات سرعات السيارات مع ثبات مواصفات ومعايير الطريق من حيث توافق التصميم مع السرعة) .
مع تنامي الحركة الاقتصادية والاجتماعية ازداد عدد مستخدمي هذه الطرق مما ولد كثافة مرورية عامة .. (ازياد عدد المركبات مع بقاء وثبات معايير ومواصفات الطريق من حيث توافق التصميم مع الاستيعابية) . مع تطور عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية نشأت مراكز تأهيل بشرية جديدة كالجامعات والكليات والمعاهد والمستشفيات والأسواق والمنتزهات . . .الخ واستحدثت مناطق سكنية وتجارية جديدة ، وكل تلك المراكز خلقت فرص عمل جديدة وخلقت فرص دراسة وتسوق و. . . الخ . وهذه البيئات الجديدة أوجدت حاجة ملحة لاستخدام الطريق بكثافة عالية في زمن محدد . فخلق ذلك ما نسميه بوقت الذروة لاستخدام الطريق .
فأصبح وقت الذورة يتكرر في اليوم الواحد مرتين ، الأولى في الصباح عند الذهاب الى الدوام ، والثانية في آخر النهار عند العودة من الدوام .
(ارتفاع معدلات الحوادث المرورية خلال أوقات الذروة)
(عدم التوزيع الجيد لمراكز التأهيل الحضري وتمركزها في مكان واحد كان لا بد أن يصاحبه تطوير مواصفات ومعايير الطريق بما يتناسب مع حجم الاستخدام لاستيعاب الحركة والكثافة المرورية ، أو إنشاء طرق جديدة موازية تستوعب الكثافة المرورية أو إنشاء طرق فرعية (مخارج) بمسافات معينة على طول الطريق الرئيسي تخفف الضغط عن الطريق الرئيسي وتنتهي بمداخل متعددة موزعة حول مراكز التأهيل الحضري ، كأن يسلك مثلاً قاصدو المستشفى الطريق الفرعي رقم (1 ) وطلاب الجامعة – حسب كلياتهم – الطريق الفرعي (2 ) وهكذا مما يحل مشكلة وقت الذروة ) ( وهذا يعني عدم تكامل التخطيط التنموي وعدم تنسيق خطط التنمية ) ( في تلك الحالة أي حالة الكثافة المرورية وأوقات الذروة كان لا بد للأجهزة ذات العلاقة بنظام مراقبة وتنظيم الطريق أن توجد خطط جديدة لاستخدام الطريق
واستحداث طرق لتنظيم حركة المرور والتحكم في سير المركبات بحركة تفويج المركبات على الطريق عبر إنشاء نقاط متحركة على الطريق باستخدام سيارات الدورية أو استحداث نقاط تحكم ثابتة باستخدام الإشارات الضوئية وكذلك إعادة برمجة نظام التحكم في الإشارات الضوئية لمناطق مراكز التأهيل الحضري بما يتوافق مع حجم حركة سير المركبات داخل تلك المناطق لاستيعاب وامتصاص الكثافة وتقليص زمن الذروة ) .
أيضاً هناك أسباب تتعلق بصيانة ونظافة الطريق . يجب العناية أكثر بإزالة أي عائق عن الطريق وصيانة أي خلل فيه خلال ساعة واحدة .
أسباب تتعلق بسلامة المركبة نفسها وصيانتها .
أسباب تتعلق بالسائق والثقافة المرورية .
أسباب تتعلق بالضبط المروري والحزم في تطبيقه .
إعادة النظر في المواصفات والمقاييس المتعلقة بالسيارات فيما يتعلق بالسرعة القصوى ودراسة تخفيض الحد الأقصى لسرعة السيارة.
إعادة النظر في المواصفات والمقاييس للطرق ورفع معايير السلامة والجودة ومراقبة جودة وسلامة التنفيذ.
نشر الوعي المروري وتثقيف المجتمعات.
لابد من صحوة جماهيرية انطلاقاً من الإرادة الشعبية نحو الأفضل، ومن ثم فيجب علي المسئولين أن يدركوا تماماً أهمية النهوض بالحالة المرورية، من خلال إتاحة أفكار جديدة غير تقليدية واستراتيجيات وخطط قصيرة وطويلة الأجل من شأنها الإزالة الفورية لكافة الاشغالات من باعة جائلين ومخالفات بناء،
مع فتح أسواق مرخصة بديلة عن الأسواق العشوائية، مع أهمية تفعيل كافة القوانين المرورية الخاصة بالسرعات المقررة علي شبكة الطرق وقواعد وآداب المرور والتواجد المروري النشط ودعم كافة الإدارات المرورية بوسائل المساعدة مثل الأوناش والدراجات النارية، من أجل إعادة تنظيم البيت المروري
وخروج رجل مرور جديد أكثر ثقافة وتدريباً وفهماً ووعياً يتمتع بلياقة جسمانية تمكنه من إداء أعماله بالشكل المقنع لمستعملي الطريق، كما يجب وضع المعالجات الهندسية موضع التنفيذ الفعلي، بما يسمح بارتفاعات ومعدلات الانسياب المروري، فضلاً عن ضرورة الإزالة الفورية لكافة المطبات العشوائية وإعادة النظر في بالوعات الأمطار وتوسيع الطرق.
دكتور القانون العام ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان