“بحلول العام 1095 كان عدد من الشعوب المسيحية، والأرض المقدسة نفسها خاضعين للمسلمين لأربعة قرون ونصف، ورغم ذلك لم تقم أي حملة صليبية. لقد كان موقف الإسلام تجاه غير المؤمنين وفيّا منذ البداية بحمايتهم وتمتعهم بحرية الابقاء على عقيدتهم “. تلك شهادة للمؤرخ الفرنسي ذو الأصل اليهودي الدكتور كلود كاهن( 1909- 1991 ) سجلها في دراسة له بعنوان ( مدخل الى الحروب الصليبية الأولى ).
وهي شهادة حق تكشف سماحة الإسلام والمسلمين، وتدحض كل الادعاءات التي حركت الحروب الصليبية الغربية في القرون الوسطى ولا زالت تحركها الى اليوم ضد المسلمين والاسلام . فقد أكد كاهن ان السبب الحقيقي للحروب الصليبية هو البحث عن الثراء المادي وتصدير لأزمة الاحتقان الإجتماعي الداخلي في أوروبا وليس نجدة مسيحي الشرق من اضطهاد المسلمين كما تزعم كل كتاباتهم. ومن المعروف ان الحرب الصليبية الاولى بدأت عام 1096 واستمرت الحروب الصليبية حتى عام 1272. فعلى مدى 176 عام شن الصليبيون في اوروبا 9 حروب عسكرية متفرقة على الشرق الاسلامي ، بالاضافة الى حملتي الفقراء والاطفال.
ويؤكد كاهن في كتابه (الإسلام منذ نشوئه حتى ظهور الدولة العثمانية) تأثيرالإسلام بقوة في مسيرة الحضارة الانسانية بقوله : “تعد الحضارة الجديدة التي جاءت بعد الفتح الإسلامي من أكثر الحضارات تألقًا، وقد غدت فيما بعد، ولاعتبارات عديدة، مرشدة للغرب، بعدما استوعبت هي ذاتها، وأحيت قسطا كبيرا من التراث القديم”. وقام كاهن في كتابه بتصحيح أخطاءَ عددٍ من المستشرقين الذين قدموا الإسلام إلى الغرب فى صورة تجانب المنطق وتخالف الواقع. ودفعته موضوعيته لإعادة كتابة كتاب (المدخل إلى تاريخ الشرق الإسلامي) لسوفاجيه..
وهي شهادة معتبره لمؤرخ متخصص في تاريخ الشرق الاوسط في القرون الوسطى يتضح ذلك من موضوع رسالة الدكتوراه التي حصل عليها عام 1940 من جامعة باريس والتي جاء بعنوان (شمال سوريا في عصر الحروب الصليبية) . وهي شهادة مؤرخ وصفته موسوعة ويكيبيديا بأنه “عميد التاريخ الإسلامي الإجتماعي” واعتبر من أكثر مؤرخي القرن العشرين تأثيراً، وكأفضل المؤرخين في مجال الشرق الأوسط في القرن العشرين.
ووصفه الدكتور عبدالستار الحلوجي وهو أستاذ متفرغ بكلية الآداب في جامعة
القاهرة قائلا : ” كلود كاهين صاحب مدرسة متميزة في التاريخ للعالم الإسلامي، مدرسة لها منهجها الذي تلتزم به ولا تحيد عنه، مدرسة لا تقف عند ظواهر الأمور، وإنما تحاول أن تستبطنها، وأن تغوص في أعماقها بحثا عن أسبابها ودوافعها ومحركاتها، مدرسة تلزم نفسها بالرجوع إلى المصادر المعتبرة في لغاتها الأصلية”.
ودعا كاهن الى عالمية المعرفة الانسانية ونقل عنه الدكتور الحلوجي قوله :” فليس هناك نوعان من البشر، الأول شرقي والثاني غربي، وإنما البشرية هي واحدة في جوهرها. وينبغي علينا بكل بساطة أن نسقط كل الجدران العازلة التي تفرق بيننا”.
ويقول الدكتور أحمد حطيط كاتب متخصص في التاريخ في دراسة نشرتها جريدة الحياة :” اتسمت دراساته كلود كاهن عن الإسلام بالاحترام والتقدير من قبل الباحثين في تاريخ العرب والمسلمين وتراثهم الحضاري. ومنذ 1955، أسهمت دراساته في لفت الأنظار الى ضرورة الاهتمام بدراسة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للعالم الإسلامي، بعد ان كان اهتمام الباحثين محصوراً بالتاريخ الوقائعي للمسلمين. ويعتبر كاهين من أكثر مستشرقي جيله معرفة بالإسلام دينا ودنيا”.
لم يدخل كلود كاهن الدين الاسلامي ورغم ذلك خدم الاسلام والمسلمين اكثر من كثير من المسلمين.