تسعى الدول الحديثة التي تفتقد العمق التاريخي مثل الولايات المتحدة وغيرها إلى كتابة تاريخ قديم لها وقد تستند في ذلك الى قلة من الحفريات الأثرية تعود الى مئات السنين . وتؤسس تلك الدول من أجل ذلك مؤسسات علمية ومراكز بحثية مهمتها البحث عن كل ما هو قديم في بقاع أراضيها لتأصيل تاريخ قديم لهذه الدولة أو تلك.
أما الدول التي تمتلك حضارات تمتد جذورها في أعماق التاريخ مثل الصين والهند فتعمل كل جهدها للحفاظ على تراثها التاريخي ، وتتباهى بهذا التراث وتقدمه للسياح والزائرين في أبهى صوره.وتستثمره بشكل يزيد من دخلها القومي .
يختلف الامر تماما في المنطقة العربية التي يجمع المؤرخون على أنها مهد الحضارات العظيمة ومهبط الأديان السماوية ولعل ذلك هو السبب الرئيسي في تكالب القوى الكبرى في كل عصر للسيطرة عليها لنهب ثرواتها وتدمير وتشويه تاريخها . يتضح ذلك جليا فيما حدث ويحدث في العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003 من تدمير للمباني التاريخية ونهب لكنوز الاثار. ويتضح أيضا فيما يحدث حاليا في سوريا من تدمير ونهب للكنوز التاريخية والحضارية. وتكشف التقارير ان هناك سوقا رائجة في أوروبا وأمريكا للقطع الاثرية المنهوبة من العراق وسوريا.
ولم يفلت التراث الحضاري المصري من أيدي هؤلاء المعتدين ، خاصة وأن الكثير من بعثات الحفر عن الاثار كانت تتشكل من الأجانب. وقبل الاعلان عن أي اكتشاف أثري كانوا يسرقون كل ماهو نفيس منه سواء كانت قطع أثرية أو أوراق تاريخية.
وأشهر وأخطر سرقة للتاريخ المصري تمت على يد عالم الآثار الإنجليزي هوارد كارتر مكتشف مقبرة الملك توت عنخ آمون،في 16 فبراير 1923 بوادي الملوك بمدينة الاقصر . وكشف عن جانب من هذه السرقة الكاتب الصحفي المصري الراحل محسن محمد رئيس تحرير جريدة الجمهرية الأسبق في مقال بمجلة (آخر ساعة) 14 أغسطس عام 2002 جاء فيه :” أن كارنرفون وكارتر سرقا قطعا من المقبرة بيعت إلى متحف المتروبوليتان في نيويورك وإلى غيره. ووجدت قطع من الآثار في بيت كارتر عند وفاته ووجدت قطع في قصر اللورد في انجلترا. وأن 60 في المائة من المجوهرات التي كانت في المقبرة قد سرقت “.
ولم تقتصر سرقة مقبرة توت عنخ آمن على القطع الأثرية والذهب المجوهرات ولكن سرق منها برديات تعتبر وثائق تاريخية هامة . وكشف تفاصيل سرقة تلك الوثائق الكاتبان البريطانيان أندرو كولينز وكريس أوجيلفي ـ هيرالد في كتاب (توت عنخ آمون.. مؤامرة الخروج) ، وجاء فيه بالنص :” أن مكتشف المقبرة هوارد كارتر وممول عملية الاكتشاف اللورد كارنرفون كتما أسرارا تكشف “قصة للخروج اليهودي من مصر تتناقض مع الوقائع والشكل المذكورة به في التوراة ( المحرفة ) . ولو أفشيت وعرفها العالم لم تكن لتسبب فقط فضيحة سياسية ودينية بل ربما كانت قد غيرت وجه العالم إلى الأبد “.
وذكر رفعت السيد علي في الترجمة العربية للكتاب التي صدرت بالقاهرة عام 2005 :” لو أعلن مضمون البردية التي أخفاها هوارد كارتر و اللورد كارنرفون لتحول إلى سلاح لا راد له في يد الفلسطينيين لدحض ادعاء اليهود الصهاينة بحقهم التاريخي في أرض فلسطين وينسف دعواهم من جذورها كما يفتح الباب على مصراعيه للعرب للمطالبة بإلغاء وعد بلفور”.
أصبح من ضروري اتخاذ اجراءات عاجلة للحفاظ على الاثار التاريخية للمنطقة العربية ووقف عمليات تدميرها او نهبها او تشويهها .