يعد الطعن لصالح القانون بوجه عام من أبرز الطعون غير العادية أو الإستثنائية نظرا لما يتمتع به من خصوصية ترتكز في الأساس علي إرساء المبادئ القانونية وتوحيد المفاهيم القضائية وتصحيح ماقد يعتري الأحكام من أخطأ ويكرس رقابة محكمة النقض علي ماقد يتخلل الأحكام من خرق لمقتضيات القانون أوتجاوز للسلطة من شأنه الإضراربمصلحة الدولة اومخالفة النظام العام اوالمساس بمبدأ وحدة القانون وحياد أحكامه تطبيقا وتفسيرا .
والغالب في القانون المقارن إقتصار أثر الطعن لصالح القانون علي تصحيح ماشاب الحكم من خطأدون المساس بما اكتسبه الأطراف من حقوق بموجب الحكم الطعين لما في ذلك من تجاوب مع طبيعة هذا الطعن ولغلق الباب أمام إستمرار النزاع.
وهو ما تبناه المشرع المصري بالمادة (250) من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي جرى نصها على أنه للنائب العام أن يطعن بطريق النقض لمصلحة القانون في الأحكام الانتهائية – أيا كانت المحكمة التي أصدرتها – إذا كان الحكم مبنيا علي مخالفة للقانون أو خطا في تطبيقه أو في تأويله وذلك في الأحوال الآتية:-
ويرفع هذا الطعن بصحيفة يوقعها النائب العام، وتنظر المحكمة الطعن في غرفة المشورة بغير دعوة الخصوم، ولا يفيد الخصوم من هذا الطعن “.
وأساس الفكرة كما سبق تحقيق مصلحة عليا هي مصلحة القانون فإن مقتضى ذلك الأخذ بها في كل حالة تتحقق فيها هذه المصلحة وعدم قصرها علي الحالة التي يكون الحكم فيها قابلا للطعن بطريق النقض ونزل الخصوم عنه أو فوتوا ميعاده، ومقتضى ذلك إلا يفيد الخصوم من هذا الطعن في جميع الحالات حتى يخلص هذا الطعن لوجه القانون
إلا أن هناك إتجاه آخر بالإضافة إلى الغاية سالفة البيان وهي غاية نظرية تتمثل في وحدة القانون وتصحيح المبادىء القانونية المستقرة وهو إفادة الخصوم من الطعن وهو ما أنتهجة المشرع الإماراتي إذ نصت المادة (174)من قانون الإجراءات المدنية على أنه ( للنائب العام أن يطعن بطريق النقض من تلقاء نفسه أو بناء على طلب خطي من وزير العدل في الأحكام الانتهائية أيًّا كانت المحكمة التي أصدرتها إذا كان الحكم مبنيًّا على مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وذلك في الأحوال الآتية:
ويرفع هذا الطعن بصحيفة يوقعها النائب العام خلال سنة من تاريخ صدور الحكم وتنظر المحكمة الطعن في غرفة مشورة بغير دعوة الخصوم، ويفيد هذا الطعن الخصوم
ويبين من النص إستفادة الخصوم من الطعن بما يتضمنه من تغيير المراكز القانونية السابق تقريرها بالحكم المطعون عليه في هذه الحالة إلى جانب مصلحة القانون
وفي الواقع نجد أننا بحاجة ماسة للحالة الثانية من في القانون المصري سيما في الحالات التي لا يجوز فيها الطعن بالنقض ولعل أبرز تلك الحالات ما نصت المادة (14) من قانون محاكم علي الأسرة من الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية غير قابلة للطعن فيها بطريق النقض
وقد تم تبني ذلك النظر للطبيعة الخاصة لمسائل الأحوال الشخصية ، وضرورة حسمها فى أجل قريب ، وتحقيقا لاستقرار ما ينشأ عنها من مراكز قانونية تتعلق بأهم شئون الفرد والأسرة ، وتستوجب النأي بها عن إطالة أمد الخصومة حولها وعن القلقة والاضطراب فى صددها – فقد اتجه المشروع إلى إلغاء الطعن بطريق النقض سيما مع التعديل الذي طرأ على تشكيل محكمة الأسرة .
إلا أن واقع الحال أسفر عن بعض الأخطاء في تطبيق القانون أو تفسيره أوالخروج عن المبادىء القانونية السابق إقرارها من محكمة النقض في تفسير القانون من قبل محاكم الاستئناف مما يؤثر على مراكز الخصوم من الناحية الفعلية لذلك أرى أننا بحاجة ماسة ونظراً لما رأيت من حالات تستدعي التدخل التشريع باللجوء للإتجاه الثاني والذي يمنح الخصوم الإفادة من طعن النائب لصالح القانون
لعل أبرزها الحكم الصادر بالمساواة بين الذكر والأنثى في الأرث لغير المسلمين على خلاف ما ما سبق أن أستقرت عليه أحكام محكمة النقض من وجوب تطبيق قواعد الأرث في الشريعة الاسلامية على جميع المصريين بأعتبارها من النظام العام ووجدت أختلاف في هذه المسألة بين مؤيد ومعارض بل قد تتعدد الأتجاهات القضائية في المسألة الواحدة وأرى في هذه الحالة أنه لابد من تعديل النصوص القانونية الخاصة بالطعن لصالح القانون كي يستفيد منها أطراف الدعوى وهو ما يحقق العدالة الفعلية لا النظرية . لذا نهيب بالمشرع التدخل لتعديل النص الوارد بالمادة (250) من قانون المرافعات المدنية والتجارية .
- الكاتب / رئيس نيابة سابق فى دائرة القضاء بأبوظبى