بمتابعة سريعة لأطفالنا يمكننا أن ندرك بسهولة ميولهم العدوانية والإنطوائية. يتضح ذلك من الألعاب الني يفضلون اللعب بها والتي تتنوع بين المسدسات والسيوف والساكين وعربات السباق السريعة. وتتضح أيضا في الأفلام والمسلسلات وأفلام الكرتون التي يدمنون على مشاهدتها، والألعاب الالكترونية التي يقضون ساعات طويلة يوميا يلعبونها والتي تقوم على صراعات دامية .
ولفظ الإدمان ليس لفظا عابرا ولكني أعنيه بكل معانيه وأرى أنه لا يقل خطورة عن إدمان المخدرات. فهناك شبه إجماع بين علماء النفس على تعريف الإدمان :”بأنه سلوك مرضي مزمن يولد رغبة شديدة في ارتكاب فعل معين أو تعاطي مادة معينة بشكل دائم مع الاستمرار فيه على الرغم من أضراره الجانبية، ويولد شعور بالراحة والاسترخاء لذا يصر المدمن على فعله للحصول على ذلك التأثير، و يصاحبه عجز تام عن التوقف عن فعل ذلك الشيء”. وفي اطار هذا المفهوم العلمي يرون أن الادمان يتعدى تعاطي المخدرات الى أشكال أخرى متعددة منها إدمان الأطفال لأفلام الكرتون والمسلسلات العنيفة والألعاب الالكترونية .
ومخاطرها هذا النوع من الإدمان على الأطفال متعددة ، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن الأطفال الذين يفرطون في استخدام هذه الألعاب يواجهون مشكلات اجتماعية وعاطفية وسلوكية، كالانعزال الاجتماعي، والخوف الاجتماعي، والقلق والكآبة وضعف الأداء والتحصيل العلمي في المدرسة.
واشارت تلك الدراسات الى خطورة اصابة الطفل بالحيرة نظرا للازدواجية والتناقض بين ما يشاهده وبين الواقع الذي يعيشه .لأن أغلب أفلام وبرامج الكرتون، هي في الأصل أعمال أجنبية، تم دبلجتها ليشاهدها الأطفال العرب، وهي دائما تتبنى أفكارا غريبة، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، فهي في النهاية لا تتناسب مع ثقافاتنا في المناطق العربية، ما ينتج عنه في النهاية تشتت ذهن الطفل الذي تنتابه الحيرة بين ما يراه يوميا في منزله ومدرسته، وبين ما يشاهده في تلك الأفلام.
وكشفت الدراسات الطبية أن هذا النوع من الإدمان بالنسبة للطفل منذ سنواته المبكرة، من شأنه أن يكبح خيال الطفل، بل ويقلل من قدراته الذهنية الخاصة بالتفكير، ويؤثر سلبا على ذكائه.
ويرى خبراء علم النفس أن أسوأ النتائج المترتبة على طول فترات مشاهدة افلام الكرتون واللعب الالكترنية ، أنه تجعل من الصعوبة على الطفل التفريق بين الواقع والخيال، فيرى الأبطال الخارقين بأفلام الكرتون على أنهم القدوة الحسنة له، بما يقومون به من أفعال خطيرة قد يحرص على تقليدها، ما يعد خطرا كبيرا على حياته في بعض الأحيان .
وحول اسباب إدمان الاطفال لمشاهد العنف والعاب العنف ترى الدكتورة أمل بن جرش المستشارة النفسية والأسرية أن أغلب أولياء الأمور يفتقرون إلى المساحات الوقتية المخصصة للأبناء، فضلاً عن عدم إلمامهم بقدرات أطفالهم وتوظيفها من مراكز الشباب والأندية الرياضية ..
والعلاج يتطلب بداية التخلص من الأسباب خاصة من جانب الأسرة بتوفير الوالدين وقت كافي للجلوس مع الأطفال واللعب معهم في المنزل ، وتنظيم وقت دوري للنزهات الخلوية . وتحديد وقت قصير لمشاهدة افلام الكرتون مع اختيار الأفلام والمسلسلات الهادفة . والتوقف عن شراء أجهزة الهواتف الذكية للأطفال اقل من 15 عاما حتى يتمكنوا من التمييز بين الخطأ والصواب .
والدور الأخر المهم في العلاج يقع على كاهل أجهزة الاعلام بالتدقيق في اختيار المواد الأجنبية التي تعرض على قنوات الأطفال بحيث لا تتضمن مشاهد عنيفة أو مخلة . والمبادرة لانتاج مسلسلات وافلام كارتون تتبنى قيم مجتمعنا وتدعو الى التفكير الإيجابي والأخلاق الحميدة .