إذا ما حاولنا أن نقدم تعريفاً مبسطاً للإرهاب، فإنه يعنى استخدام العنف ضد المدنيين والمنشآت والمسؤولين ومؤسسات الدولة؛ لتحقيق أهداف سياسية وكسر احتكار الدولة للعنف المشروع، باعتبار الدولة الجهاز الذى يفوضه المواطنون بصيغة تعاقدية أو بصيغة الأمر الواقع في استخدام العنف لتحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع، ضد الخارجين على القانون وضد من يشرعون في اعتماد العنف لتحقيق أهداف سياسية.
واستناداً إلى ذلك فإن الدولة المصرية بمؤسساتها المختلفة قد دخلت منذ خلع الرئيس السابق في مرحلة جديدة لمواجهة الإرهاب، الذى لجأت إليه جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها المعلوم منهم والمجهول في الداخل والخارج، أولئك الحلفاء الذين خرجوا من عباءة الجماعة ومنظومتها الفكرية والسياسية، وانشقوا عنها ولكنهم ظلوا يدينون لها بالولاء والتعاطف والمساندة، ذلك أن الجماعة لم تتخلى عن أبنائها – أى هذه الجماعات- عندما تولت السلطة في مصر لمدة عام، بل كان همها الأول وهم رئيسها أن تفرج عن المسجونين من هذه الجماعات المدانين في جرائم قتل المصريين والسياح ورجال الشرطة، ووفرت الجماعة لهذه الجماعات غطاء سياسياً لتمركز هذه الجماعات وأفرادها القادمين من كل صرب وصوب في سيناء وغل يد الجيش والقوات المسلحة المصرية، عن التعامل مع هذه الجماعات وإنهاء تعديها على جنود وأفراد القوات المسلحة والشرطة المكلفين بحفظ الأمن، ومن ثم فهذه الجماعات ترد الجميل للجماعة بانخراطها في مسلسل العنف ضد الدولة والمواطنين والمنشآت واستدعاء حصاد خبرة هذه الجماعات في التخطيط للعنف والإرهاب.
بيد أن مصر الدولة والمجتمع ستفوز في المعركة ضد الإرهاب لأسباب عديدة، من بينها أن مصر الدولة لديها خبرة متراكمة في مواجهة الإرهاب خلال التسعينيات، وقبلها خلال الثمانينيات وما بعدها في صعيد مصر وفى سيناء وفى العاصمة ذاتها، هذه الخبرة المتراكمة لمصر سبقت خبرة دول كثيرة كانت تفتح أبوابها تحت بند اللجوء السياسي ظاهرياً لكثير من هؤلاء الإرهابيين، وذلك لا يعنى بالضرورة تكرار أخطاء هذه الحقبة السوداء في تاريخ مصر، بل يعنى استدعاء مختلف الجوانب الإيجابية لهذه الخبرة في إطار حكم القانون ودولة القانون، أي اعتبار الجريمة فردية وشخصية وليست جماعية وتوفير الضمانات القانونية للقبض على المتهمين وضمانات الدفاع والمحاكمة.
من ناحية أخرى فإن أكبر ضمانة لنجاح مصر في المعركة ضد الإرهاب تتمثل في المضي قدماً كما هو الآن في تنفيذ خريطة الطريق إلى المستقبل، وترجمة هذه الخريطة إلى خطوات إجرائية ومبدئية لتحقيق عملية التحول الديموقراطي وإرساء أسس الصراع السياسي بعيداً عن العنف والذى يتمثل في الاحتجاج السلمى والتظاهر السلمى والالتزام بالقانون وحظر اللجوء إلى العنف، ولا شك أن الالتزام بخريطة الطريق هو الذى يكفل في نهاية المطاف سلمية المجال العام وابتعاده عن العنف وذلك عبر القواعد والمبادئ المجردة والعامة التي ترتضيها الدولة والمجتمع للمساهمة في الشأن العام.
ولا شك أن لجوء الجماعة وحلفائها إلى الإرهاب والعنف هو أقصر الطرق إلى الانتحار الفردي والجماعي، والخبرة الماثلة للعيان في كافة الأنحاء تشير إلى ذلك وبوضح فلم تكسب الجماعات الإرهابية معركة قط ولم يفضى الإرهاب إلى تحقيق أي هدف باستثناء تلك الأهداف السلبية التي تصاحب الإرهاب مثل اختطاف الإسلام وتشويه صورة الإسلام والمسلمين وتعبئة الرأي العام العالمي ضد قضايانا المصيرية وتدعيم الانقسام والاستقطاب على الصعيد الوطني والصعيد العالمي وسيادة قيم التطرف والتكفير والانتقام وتعطيل العقل والتفكير وفتح الباب للعودة البدائية لقيم العدوانية والعنف ووضع المسلمين في موضع الاشتباه والتوجس في المطارات والسفارات والموانئ والمعابر الحدودية.
ليس أمام مصر من خيار سوى المواجهة الحاسمة للإرهاب في إطار القانون والمصلحة العامة وتعبئة كافة القوى المعنوية والمادية من أجل الفوز في المعركة ضد الإرهاب وإرساء قواعد ومبادئ التحول الديموقراطي واعتماد الصراع السياسي السلمى بأساليبه وآلياته المعروفة وسوف يكون الفشل حليف من يتبنى نهج العنف والإرهاب.
رئيس الاتحاد الدولى لمكافحة الجرائم الدولية وغسيل الاموال
مستشار لشؤون افريقا والسفارات الافريقية بمصر