النجاح الكبير الذي حققه مشرع صكوك الاضاحي يؤكد على ضرورة الارتقاء بالمشروع وتطويره ليكون مشروعا قوميا ووطنيا شرعيا بامتياز..وذلك لتعظيم ما له من فائدة جليلة على المستويات كافة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية ايضا وذلك للحيلولة دون استغلال الشعائر الدينية والاعمال الخيرية والقفز بها الى اغراض اخرى بعيدا عن مقاصدها الشرعية الواضحة واستثمارها من جانب قوى وتيارات بعينها لتحقيق مكاسب جماهيرية مما يرسخ لشبهات استغلال وتربح وتجارة بالدين من جانب القائمين على الامر ايا كانت توجهاتهم.
لابد من الاعتراف بالجهد الكبير والرعاية الحثيثة لصكوك الاضاحي من جانب وزيرالاوقاف الدكتور مختار جمعة والذي اعطى دفعات ودفعات للمشروع حتى يحقق اهدافه ويضمن اداء الشعائر بالصورة المطلوبة وتصل اللحوم الى مستحقيها من اسر وافراد في مختلف المحافظات وحتى في القرى النائية والبعيدة.
منذ عامين اواكثر اقترحت على السيد الوزير ان يتم تحويل المشروع الى مؤسسة قائمة بذاتها نضمن لها الاستمرارية والديمومة وتقوم على اكتافها وعلى جنباتها مشروعات مهمة لا تقل عظمة تساهم بقوة وجدية في مناحي الحياة المصرية ويمكن ان يقوم عليها ومن اجلها مؤسسات وهيئات مساعدة ومعاونة ضرورية لاتمام العمل بالصورة الشرعية والوطنية بعيدا عن اي مخاوف من هنا وهناك.
المشروع القومي الكبير القائم على الاضاحي ومن اجلها لن يكون موسميا ومرتبطا فقط بموسم الحج وايام التشريق بل سيكون مشروع حياة يعمل طوال العام بحيث يضمن ويعمل على توفير الاضاحي من الغنم والماعز والماشية والابل وغيرها.وهذا يعنى ان تكون له مزاع تربية وتسمين اومحطات للشراء محليا اوبالاستيراد عند الحاجة اذا لم يلب السوق المحلي حاجة المضحين وهذا يفتح مجالا كبيرا للاستثمار وتشغيل العمال.
وان تكون هناك مذابح خاصة للاضاحي ولا مانع ان تستفيد منها المحليات بشكل استثماري.. نظرا للكميات الكبيرة فالمطلوب ذبح ونحر عشرات الالاف من الرؤوس من الماشية والاغنام في فترة وجيزة اربعة ايام.واعداد الاضاحي التى يتم شراؤها مباشرة ومن اصحاب الصكوك وهذه الان تشكل ضغطا كبيرا على المجازر الحالية واظنها لا تستوعب الحركة بشكل كامل خاصة في ايام التشريق وتضطر الجهات المشرفة الى الاستحواز على مجازر كبرى بعينها لاداء المهمة.
الامر يلزمه بالضرورة ان تكون هناك ثلاجات ومبردات على اعلى مستوى ضمانا للحفظ والحماية حتى يتم التوزيع وايصال اللحوم لمستحقيها في كل مكان.
ويعني ايضا ان يكون هناك اسطول من سيارات النقل والعاملين عليها.
وفضلا على ذلك مصانع الجلود حتى يتم استيعاب هذا الكم الكبير من جلود الاضاحي التى يتم اهدارها بشكل مرعب وتلقى بها في كثير من الاحيان وكثير من المناطق في الزبالة بلا مبالغة لان البعض يريد ان يتخلص منها فقط ويغيب عن كثير من الاحياء فكرة جمع الجلود حتى ولو بشكل مجاني او باجور رمزية يتم التبرع بها للجمعيات الخيرية. وزاد الامر سوءا ان الجمعيات الخيرية عزفت هي الاخرى عن فكرة تلقى الجلود وبيعها لانها لا تجد وسيلة للتعامل معها او ان فكرة توصيلها الى مدبغة او مصنع جلود مسالة مكلفة وكثير من المضحين يتحرجون من عملية الافادة من جلد الاضحية حتى لا يقع في خطأ شرعي.
فاقامة مصانع او مراكز لتجميع الجلود وكيفية التعامل مع الكم الكبير من الاضاحي يجعل موضوع الجلود ذا عائد اقتصادي كبير ويشجع على الصناعات الجلدية ويحد من عمليات الاستيراد للجلود للاغراض المختلفة سواء الملابس والاحذية والحقائب وغيرها من حرف وصناعات تعتمد على الجلود سواء في الاثاث اوالسيارات.
كما يمكن انشاء مصانع لتوفير مادة الجيلاتين الحلال والمستخدمة في صناعة الكبسولات الطبية والتى يتم استخلاصها من جلود الانعام.
كما يمكن انشاء مصانع اخرى كثيرة من اجل المشروع وتعيش هي ايضا عليه مثل مصانع الاعلاف والمراكز الطبية والدوائية وغيرها وهو مايعطي دفعات قوية للحركة الاقتصادية بشكل حيوي وجاد ويوفر المزيد والمزيد من فرص العمل لاستيعاب طاقات الشباب والمستثمرين الجادين.
اقتصاديات الاضاحي وعلى هوامشها مسالة غاية في الاهمية وهي مضمونة وغير مكلفة ولا خوف من عدم استمراريتها او من انسحاب المستثمرين فيها لان اعدادهم قابلة دائما للزيادة كما ان الاداء الجيد والمقنع للمؤسسة اوادارة المشروع هو ما سيغري الالاف بالانضمام اليه بل سيمنح فرصة ذهبية للقضاء على العشوائية في عالم الاضاحي ويضعها على الطريق الصحيح فكم من مضحين لا يعرفون كيف يتم توزيع الاضحية وكم من مضحين يقعون فريسة لمحترفي جمع الاضاحي من المتسولين والنصابين وكم من تجار يتلاعبون ويلعبون مع جامعي لحوم الاضاحي والذين قد يحرمون بالفعل بعض المستحقين.وكم من مضحين يوزعونها على اول عابر سبيل يقابلونه ولا يهم ان كان مستحقا ام لا!
ليس عيبا ان نعترف اننا كمسلمين حتى الان لم نحسن الافادة من الشعائر الدينية ولم نوظفها بصورة صحيحة لنحقق المقاصد الشرعية التى فرضت من اجلها تلك الشعائر بل وبعض الفرائض الدينية وفي المقدمة منها الزكاة الشرعية والتى لو تمت بالصورة التى ارادها الشارع الحكيم لقضت على كثير من المعضلات ولحلت كثير من المشكلات ليس لفرد او اسرة ولكن للدولة الاسلامية.فلو تعامل المسلمون مع الزكاة بصنوفها المختلفة ومع انواع البر والصدقات لصنعوا الكثير من المعجزات على ارض الواقع ولما كان الفقر والعوز في بلدان المسلمين بهذه الصورة المزعجة المزرية!
ومما يحز في النفس ان كثيرا من الدراسات العلمية اجريت حول هذه القضايا ولكنها عطلت ووضعت في الادراج المغلقة المظلمة حتى لا يراها احد وحتى لايستفيد المجتمع بشكل علمي مما هو متاح له وتحت يديه والجميع يعلم انها لو طبقت لفاقت كل ما يتحدثون عنه من برامج لحماية الفقراء وانقاذ الغارمين واصحاب الحاجة والفقراء والمعوزين فهي مع استمرارها وديمومتها وقابليتها للزيادة والانماء يمكن ان تحقق طفرات وطفرات بشكل اكثر ادمية على المستويات الاجتماعية والاقتصادية بين الفئات المختلفة.
هذا المشروع القومي الكبير هيئة قومية مستقلة يمكن ان تساهم فيه العديد من الوزارات بشكل فعال مثل الاوقاف والتموين والتجارة الداخلية والخارجية والزراعة والصناعة ويمكن للمؤسسات الاقتصادية المساهمة فيه بقوة ودعمه وتقديم الخدمات اللوجستية والعلمية وغيرها ويمكن ان تكون له ادارة مركزية ويكون لها فروعها في المناطق المختلفة اذا تم تقسيم الجمهورية الى قطاعات ادارية يضم كل قطاع محافظة او اكثر.
اعتقد ان الفرصة قائمة وسانحة ويمكن لاي من الجهات ان تتقدم بمشروع قانون لانشاء تلك الهيئة اوالمؤسسة لاصدار التشريع الخاص الذي ينظم عملها ويضمن لها الاستقلالية ويوفر لها الحماية والامان ويفتح امامها كل السبل للوصول الى المستحقين في كل مكان وليسعد اهل الله بمال الله الذي جعله لهم قياماونصيبا مفروضا.
**عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال:ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”.
والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com