إن تنظيمات التطرف والإرهاب تستهدف صناعة عالمها الذاتي الخالص، وهو ما يستلزم صياغة كامل مكونات هذا العالم بمقاييس تتناسب مع (الإنسان) المستهدفة قولبته تنظيمياً حتى يمكن استخدامه تارة لتوزيع الابتسامات البلاستيكية على عموم الخلق لصناعة حواضن التنظيم الشعبية، وتارة لتوزيع منشور دعائي أو معارض،
إن استحضار التاريخ وحوادثه كوقود لخطاب الحاضر ومحاولة فهمه، لهو التخلف والرجعية، وهو الذي جلب الخراب على الدول التي تتدخل وتهيمن عليها عمائم الدين السياسي، وأول هذه الدول إيران نفسها.
وتارة لزرع قنبلة أو عبوة ناسفة، ولقد تنبه صُيَّاغُ الشخصيات التنظيمية فاستحدثوا أدوات جديدة تتناسب مع إحكام السيطرة على أدوات صياغة الشخوص داخل هذه العوالم، فصار لهم فنون تنظيمية وقنوات فضائية وإلكترونية
وحتى آداب تتضمنها مناهجهم، وجميعها طبعاً ترتكن لأولويات التنظيم بحسب المرحلة، ففي ساحة الاستضعاف تكون الفنون (جهادية) وتصبح الموسيقى حراما، أما في زمن التمكين الحالي فتصبح الفنون أكثر ليونة وحِل الموسيقى والغناء يصبح محل نظر!
فاتباع وانصار عمائمهم وحتى هم بأنفسهم لا يستطيعون العيش والحياة إلا من خلال تسلطهم وابتزازهم ونهبهم وسلبهم وخطفهم وقتلهم وانتهاكهم وبيعهم لثروات وطنكم سوى كانت ثروة بشرية ” حياة المواطن” أو كانت ثروة اقتصادية “نفطكم ,وغازكم , وكهربتكم , وأسماككم و ……” في إلى متى سيظل مغلوب ومظلوم عليكم من قبل نفوذهم وسلطتهم , ووقوعكم بين مرارتين ؛ مرارة الواقع
والمجتمع الذي يتربص بكم من جهة ومرارة الغياب الكلي والدور الفعلي للجهات الحكومية والسلطات الثلاث التي انتهكوا حرمتها وقدسيتها , ووسائل أعلامكم انتم الرسمية والأهلية شروئها وتقاضيكم من خلال من يدورونها لكم كثمن للصمت عن جرائمهم من جهة أخرى ؟ .
لا شك أننا نتفهم هذا الحماس والتصفيق الشعبي العربي من المحيط إلى الخليج لما يسمونه بانتصار حركة طالبان الإسلامية على الغزاة الأمريكيين في أفغانستان، خاصة بعد هزيمة الثورات العربية على أيدي الثورات المضادة في كل بلاد ما يسمى بالربيع العربي.
الجميع يائس وكان يبحث عن بطل بعد سلسلة من الهزائم والإخفاقات، فجاءت طالبان لتملأ هذا الفراغ العاطفي لدى ملايين العرب المحبطين، فرفعوا علامة النصر وراحوا يتغنون ببطولات الحركة التي صارت فجأة، ويا للعجب، تمثل العرب والمسلمين جميعاً.
على حين غرة صارت أفغانستان مهوى أفئدة الجميع من طنجة إلى جاكرتا. ماذا تعرفون عنها يا شباب؟ القليل، القليل. لا يهم، فهي مسلمة وصارت تمثلنا، وهي أنقذت معنوياتنا الهابطة. إنه، بلا شك، شعور المهزومين التائهين الضائعين الباحثين عن هوية وعن بطل يخلصهم من هزائمهم المتراكمة. إنها قمة الكوميديا والتراجيديا معاً. إن الحديث عن حزب «تودة» وعن القوى التي صنعت الثورة ذو شجون، فالمصادفة وحدها منعت الجنرال غلام رضا (أُعدم بعد الثورة) من ضرب الطائرة التي حملت الخميني من باريس إلى طهران (سطوع نجم الشيعة)، ولو حصل هذا لتغيرت مسارات الثورة ولم تصبح إسلامية، ولظل علماء الدين حكاماً على ملوك إيران، لا هم الملوك أنفسهم، فيوصفوا بالدكتاتورية الظلامية، وما دخلت عمامة إلى السجن أو اغتيلت، مثلما حصل لكبار المراجع في عهد حكم العمائم.
فيما تقدم درس من دروس السياسة المغلفة بالدين، فماذا تغير في الخميني، وهو في المعارضة عنه وهو في السلطة؟ فأمين عام «تودة» السابق رادمنش عاد إلى إيران بُعيد الثورة، ثم رجع من حيث أتى (مذكرات)، فالوجوه ليست نفسها. كذلك هرب الرئيس بني صدر تحت جنح الظلام، واغتيل مَن اغتيل وحُجر مَن حُجر في داره. فعادت القوى التي كانت فاعلة في الثورة تصدر البيانات ضدها، حتى الموصوف بـ«رفيق الإمام» أخذ يقول: «لم يكن بالإمكان إدارة البلد بطريقة أسوأ مما يجري».
ومن عجبٍ أقول: هل كان «تودة»، ممثلاً بأمينه العام، بالنسبة للخميني وبقية عمائم الثورة، قبل السلطة مؤمناً؟ وكيف غدا بعد السلطة كافراً؟ ذلك إذا علمنا أن التهمة التي «أوجبت» تصفية الآلاف من المحسوبين على «تودة» هي الكفر! أليست هي لعبة السياسة تحت راية الديانة؟
يشهد المراقب اليوم أن الشيعة العرب الذين تحاول إيران تعبئتهم ضد دولهم بشعارات الطائفية ينتفضون ويقاومون بوطنية وعروبة وإسلام وطني ضد التدخل في دولهم، ويرفضون مصادرة قرارهم ورهن مصيرهم في طهران، وذلك على الرغم من الإرهاب الذي يمارسه “حزب الله” بنسخه الإقليمية، وما يفعله في أوساطهم، وهم يدركون ما حل بالمجتمعات الشيعية العربية التي انقادت أحزابها الطائفية لولاية الفقيه بطهران، فقد حل بأوساطهم الفقر والخراب والجوع، وانهارت أوضاعهم المعيشية والتنموية على كل المستويات.
إن علينا في دول الخليج تعزيز مواطنة مواطنينا بمنطقتنا كسد منيع، ودرع حصين في وجه العبث الطائفي الذي تغذيه وتشجعه إيران، إذ إن تعزيز المواطنة التي تضمن حقوق كل المواطنين بيننا بغض النظر على مذاهبهم، هي المؤونة الحقيقية للصوت الشيعي الوطني في أوساط الشيعة من المواطنين بيننا، وعلى العكس من ذلك، فإن أية سياسات تمييز بين المواطنين على أساس مذاهبهم هي الخطيئة التي تلطم إيران على وقعها وآثارها، وهي التي تدفع البسطاء للانحياز الطائفي السياسي الشيعي الذي تتزعمه وتقوده إيران في المنطقة.
الصراع في اليمن لم يحسم، والرقاب لم تطوع بأيدي للحوثي بعد، والمواجهة بين ميليشيا الحوثي والقاعدة، أو مع أنصار الرئيس المخلوع لا بد آتية، والأيام حبلى بالمفاجآت.
خلاصة ما يمكن استنتاجه أن الموقف الضمني لإيران، هو هذا الذي أفصح عنه بكثير من الإيجاز أحد أبناء النظام من الجالسين في الصف الأمامي. أما ما نتابعه كموقف من جانب إيران بعد خاتمي، فإنه نوع من التلاعب بالأقدار الفلسطينية والاستقرار العربي والمصالح الخليجية والعربية كلها.
برزت حينها أقلام وأصوات بغيضة مؤيدة للخطف والاغتيال، وذلك لإنكارها الظاهرتين، على أنها من تلفيق الضحايا أنفسهم ضد التيار الديني، ولا يُستبعد أن مَن اعتبر قتل الفنان كرار نوشي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تأديباً لمَن يرسل شعره، ويلبس ثياباً أنيقة (ليست مِن مال حرام) مدفوعون بثقافة التحريض تلك.
بهذا لم ترتق بغداد بقتل كرار إلى ما كانت عليه في الأمس البعيد. قرأتُ عمن عُدَّ مِن الأعيان حينها: «البدر محمد بن الفراش المغني شابٌ جميل الصورة، مشهور بحسن الغناء، وطيب الصوت، وكانت وفاته يوم الأحد حادي عشر صفر المذكور (سنة 598هـ) وشيعه خلقٌ كثير، وفُجع الناس به، وحزنوا عليه» (ابن الساعي، الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير). حصل ذلك في خلافة النَّاصر لدين الله (ت 622هـ)، الذي حكم 47 عاماً، جاعلاً بغداد آمنةً، وأنهى ازدواجية السلطنة والخلافة بالقضاء على السلاجقة.
أقول: هل صار زمن إشاعة القُبح عدواً للجمال إلى حد القتل، بينما عُرف العشرات من أهل الوسامة في تاريخ المنطقة، كانوا يتحجبون مخافة النساء على أنفسهم، منهم: زيد الخيل الطَّائي، وقيس الجعفي، وأمرؤ القيس، وابن الخَطيم (ابن حبيب، كتاب المُحبر)، وقد نُسب للأخير البيت الأكثر جمالاً: «نحن بما عندنا وأنت بما عندك/ راضٍ والرَّأي مختلفُ» (سيبويه، الكتاب)، وقيل البيت لأحد ملوك الحيرة.
منازلنا الطينية العادية لم تكن باهتة أبدا. باحاتها الفسيحة كانت حية بأشجار مثمرة وارفة، و كانت حية بقراءة الأطفال للقرءان الدائمة و كانت كذلك، حية بما يشبه تعبدا من نوع آخر، يكمن في تربية راقية لحيوانات أليفة جميلة… و ما صورة ذلك الطاووس الملكي الزاهي العالقة حتى الآن في ذهني، رغم مرور عقود كثيرة، إلا دليل على افتتاني بذلك الزمن الجميل…
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان