48 عامًا مرت على تحرير رقعة عزيزة من أرض مصر، وقعت أسيرةً يومًا ما لاحتلال صهيونى غاشمٍ أراد اقتطاعها عن جسدها الأم مصر، ولم يكن سهلًا على المصريين أن يحيوا كرامًا وقد جثم على ترابهم النفيس عدوٌ غاشمٌ يُدنِّسها ويغلق منافذ القيروان فى وجوههم بسيناء الأبية، وبالعزيمة والإصرار، والصمود والتحدِّى، ثم المقاومة والفداء والتضحية بالدماء، أعاد جيش مصر وشعبها كامل السيادة عليها، لتعود أرض الفيروز من جديد ترفع شعار النسر الذى يُزيِّن عَلم بلادها، وتكون بوابة الخير التى يحج إليها المصريون، ولمَ لا وهى تلك الأرض المباركة التى ذكرها قرآنٌ، ووطأها أنبياءٌ، وكلم الله على جبالها نبيه موسى، عليه السلام، وبها رسالته شاهدة على تكريمها ورفعتها ومكانتها.
وإذا كانت سيناء تحظى بكل هذه المكانة السامية، وتلك الدرجة الرفيعة، من فوق سبع سماوات علا، فالأحرى بأهلها أن يروها مقدَّسةً تستحق أن تكون قِبلتهم التى يحجون إليها، وهو ما أراه قائمًا بالفعل وواقعًا يعيشه المصريون حاليًا، فمنذ العام 2014 وحتى الآن شهدت سيناء ومدن القناة ما يقرب من 426 مشروعًا بمليارات الجنيهات، خدمةً لأهالى سيناء، وذلك لما تُشكِّله تنمية هذه المنطقة من أمن قومى لمصر، كان أبرز أهدافها، إضافةً لتحسين جودة الحياة فيها، ربطها بالوطن الأم مصر، وتسكين نحو 8 ملايين مواطن على مدى خطة قصيرة المدى، لتعميرها وغرس روح الحياة فيها، شمالها وجنوبها، وأن تكون درة الوطن التى لا يجوز التفريط فيها أو اتخاذها ملاذًا للإرهاب والإرهابيين، الذين يعيثون فى الأرض فسادًا وإفسادًا، لصالح جهات خارجية لا تبغى الخير لمصر وشعبها، وتُريد منح سيناء وتسليمها فريسةً سهلة للمتربصين، لتكون ذراع لى تُؤخذ منه أم الدنيا إلى حيث ينوى أعداؤها.
تنوعت التنمية فى سيناء على جميع المحاور، فما بين أنفاقٍ كانت بمثابة المعجزات لسهولة العبور إليها، ويُسر التنقُّل داخلها، واستصلاح أراضيها وزراعتها، وإقامة مزارع سمكية وحيوانية تُغنى سكانها والمقيمين والعاملين فيها، وطرق ومرافق ومنشآت خدمية، ومشروعات سكنية لمعيشتهم، وفرص عمل لأبنائها ترتقى بحياتهم، وغيرها من جل الحاجات التى تتطلبها المجتمعات لكى تحيا، كانت مصر فى سباقٍ مع الزمن، فالتعمير يحتاج لتأمينٍ، وهو المُتمثل فى القوة التى تحمى المكتسبات وتُحافظ عليها، فعملت الدولة على الجبهتين، يدٌ تعمِّر وأخرى تحرس، وهو المجهود الشاق الذى لا تقوى عليه إلا عراقة المصريين ولُحمتهم، ومن كرم الله على المحروسة أن قيَّض على عرشها زعيمًا من أهلها يعرف قدرها، ويُؤمن بمجدها، وأن من بنى السد العالى، وقهر المحتل المُتغطرس، وطرد المارق الخائن من بين صفوفه، لا يرضى سوى الإعمار سبيلًا لبلوغ العزة والزعامة، فوضع يده فى أيديهم، وشد رباطة الجأش، لترى أجيالنا المقبلة سيناء فى أبهى صورها.
لقد كان للعملية الشاملة التى خاضتها القوات المسلحة عام 2018 فى سيناء تأثير السحر على الأرض، فقد قضت على الإرهاب بشكل شبه تام؛ من خلال تدمير الأنفاق، ومحاربة الجماعات الإرهابية والقضاء عليها فى جحورها؛ مثل أنصار بيت المقدس وداعش سيناء وغيرهما من الخلايا المسلحة المتطرفة التى كانت تعيش فى الجبال والوديان والدروب وتحت التراب، وأسهم الدور البارز للشرطة من خلال جمع المعلومات عن عناصر الإرهاب وتوجيه الضربات لها فى معاقلها، فى الحفاظ على الأمن واستعادة الطمأنينة والسكينة للمواطن السيناوى بصفة خاصة، والمصرى بصفة عامة، وتحقيق الاستقرار الذى انطلقت منه الدولة نحو البناء، بل انخرطت القوات المسلحة بشكل كبير فى الحرب على الإرهاب منذ اليوم الأول لثورة يونيو، فحافظت على الحدود وخاضت معارك شرسة بسيناء التى كانت مرتعًا للإرهابيين، وعندما ضيقت الدولة الخناق عليهم حاولوا الانطلاق إلى الحدود الغربية واتخاذ ليبيا نقطة انطلاق لهم، وتوالت العمليات التطهيرية حتى اليوم، ما رفع غاية التنمية ولوءاها على أراضى الفيروز، وأصبحت خضراء تُعطى ويأكل الجميع من خيراتها، إيمانًا بمبدأ، أنه لا تنمية دون قوة حامية.
مَنْ يعرف للعبور فى السادس من أكتوبر 73، مذاقًا وطعمًا ورائحة، فإن الأكثر لذةً وحلاوة سوف يستشعره اليوم، وهو يرى سيناء تلبس ثياب التعمير مُتحليةً بزينة المشروعات العملاقة، وجمال الأماكن السياحية الخلاقة، وقيمة السلع الغذائية الطيبة، وروعة الطرق والممرات المُتحضرة، وسواعد العمل التى تطرق فى مناكبها ليل نهار، وكمائن التأمين التى تحتضنها من أقصاها لأقصاها لحراستها وشعبها، كلها وغيرها الكثير تدل دلالةً لا تُخفيها غمامة عين، أننا أمام عبور ثانٍ لا يقل جودةً وشأنًا عن العبور السابق، نصر أكتوبر العظيم فى سبعينيات القرن الماضى.