لقد جئت سريعًا دون أن ألتفت إليك.. لم أناديك بل وجدتك أمامي.. ولا أعلم أخذت مني أم أعطيتني.
لقد تزوج أولادي وشق كل منهم طريقه، وسعدت بذلك وتمنيت من قلبي لهم السعادة.. ولكنك أخذت في نفس الوقت مني الصحبة، اللمة، التعليقات الشبابية الساخرة ببراءة والتي كانت تضفي على حياتي بريق وابتسامة لا حدود لها.
حين جئتني منحتني الاحترام والوقار والمكانة والهيبة، ولكن أخذت مني المغامرة الشغوفة، والأحلام المجنونة، والخطط التي لا تنتهي، والبريق الساحر للمشاعر والأحاسيس.
حين وصلت لك يا أيها الستين منحتني عشرة العمر لمن عملت معهم سنين وسنين، أصبح بيننا معاني لا نعبر عنها فهي مفهومة لكل منا، بل هي محسوسة لا نحتاج التعبير عنها، ولكن بعد وصولك بدأت الناس تقل وتقل ويا حظ من له صديق أو اثنين.
منحتني الخبرة فأخذت منها العبرة.. قد تكون تعلم أني سأمر بالكثير والكثير.. فأخذت تعلمني بالشدائد والألم وتقويني بالإيمان والأمل على الاجتهاد والعمل… شكرًا لك على أي حال..
ألا ترى أنك بعد أن أعلنت وصولك رفعت الكثير من أعضائي رايات الاستسلام.. فأعلنت مفاصلي عن عدم قدرتها على كل مجهود أقوم به وطالبتني بل وأجبرتني على تخفيف أو تغيير خططي وأعمالي، وأعلنت عيناي أنها لا ترى الواقع جيدًا وعلىّ بعينين جديدتين قويتين من الزجاج لترى بهما الحياة بمنظار جديد يتآلف مع أوضاعها الجديدة.
وحتى قلبي أعلن عن إجهاده وتعبه بعد هذه السنين، وما دار فيها من أحداث أصبح لا يتحملها أو يقوى عليها. لماذا لم تخبرني بكل هذا فقد أستعد لك؟؟
لقد أوقفت ساعات أيامي حين جئت وأخذت أراجع أحلامي وأمالي وأحزاني.. تحاورت مع نفسي.. ووجدتني أقوى مما أتخيل. وجدتني أجمع أسلحتي التي نسيتها مع السنين وبدا لي أهم أسلحتي وأقواها على الإطلاق فوجدت معي.. وجدت معي.. ربي نعم.. نعم معي ربي الذي يقويني، وإلى أحلامي ونفسي وذاتي سيهديني.. وعليك وعلى السبعين والثمانين بل والتسعين ينصرني ويحميني فربي يعلم كل خلجاتي وقدراتي فيرضيني.. وجدت أنك إذا كنت أخذت مني اللمة فهو سبحانه بصحبته يواسيني وحين أتقرب له ذراعًا يواليني، فمن أحق بالقرب منه الناس أمر الرحمن الذي عنهم جميعًا يغنيني.
وإذا وهنت صحتي وضعفت فالقرآن يشفيني وعطر الرسول الهادي يطيبني ويرضيني واتباعي لسنته ينير لي طريقي ويهديني.. وعلى نفسي وأحزاني يقويني.
وبعد ذلك قررت أن أحقق أهدافًا ناضجة هادئة مطمئنة مرضية لربي وذاتي، فإن كان نجاحي في الحياة هدفًا فجنة الودود الرحيم تنصفني وتعليني، وكن على يقين أيها الستين أن يقيني في حكمة الباري يقيني. فأهلًا بك أيها الستين فلا أنكر أنك على مر السنين لك فضلٌ عليَّ لا أنساه فكما أخذت مني سنيني فقد أعطتني الكثير.
منحتني زينة الحياة الدنيا، والذين مهما انشغلوا فأنا في قلوبهم ساكن في قرار مكين. ومنحتني الصحة أجتاز بها الصعاب ولو قليلة ولكن يكفيني ألا أحتاج لأحد.. وأحمدك ربي.
منحتني الفهم الواعي للحياة، والنظرة العميقة للأمور ونفسًا قوية اجتازت صعاب الحياة فشكرًا لك وأهلًا بك.
وهيا يا نفسي إلى حلم جميل يحقق لكي السعادة في ظل رضا الرحمن وإرادتك الحرة التي تحب الحياة وتشتاق لها مهما بلغت من السنين فهي نفس طموحة، سبَّاقة، تسبق الزمن وسط زخم الحياة وصعوبتها، والناس واختلافها والشدائد وقوتها وتنوعها، وسوف تستطيعي يا نفسي أن تسعدي بل وتستمتعي فقد أديتي ما عليكي وربيتي أولادك، وتقلدتي المناصب واحتفظتي بنفسك في دروب الحياة، فهيا نقفز في قلب السنين لنحقق معًا ما نسيناه من الأحلام والأمنيات التي طالما تمنيتها وحالت بينها الأيام فأهلًا بك أيها الستين أهلًا وسهلًا ومرحبًا.
كاتبة المقال دكتوراة فى الفلسفة الاسلامية